تكرار الظهور الإعلامي يصنع هالة، حتى لو كان ظهورًا باردًا، تكرار ظهور الصورة له مفعوله العميق، حتى في الإعلانات التجارية يحاولون نشر صورة المنتج بأكثر قدر ممكن، لأن هذا الوجود المكثف يرسخ في عقل الجمهور. لذا تنجح تجاريًا المنتجات التي تحظى بالإعلانات الأكبر، وتبقى العديد من المنتجات الممتازة والأفضل تعاني من صعوبة بيعها لأن الجمهور لا يعرفها، أو لا يثق بها لأنه لم يألفها، لم يشاهدها ليعتادها، ولم يجربها لكي يقيمها. في سوق لندني عريق هناك ممر صغير توجد فيه مجموعة من المحلات، بينهم محل صغير يبيع الآيس كريم، كان المحل مزدحمًا، وأنا لا أحب الوقوف في الطابور، وطوال حياتي كنت أستغرب من الذين يقفون في الطابور 20 أو 30 دقيقة من أجل الاستمتاع في تناول وجبة شهيرة أو شراء هاتف جديد. لكن الطابور الذي كان على محل الآيس كريم لم يكن طويلًا، كما أن المحل لم يكن شهيرًا أبدًا، وما الطابور القصير هذا إلا لزبائن المحل أو الذين سمعوا عنه من أصدقائهم المقربين. قلت لصديقي: هل تعتقد أن هذا المحل يبيع آيس كريم أفضل من محلات الآيس كريم المشهورة مثل المحل الفلاني أو منافسيه المعروفين؟ أجاب بأنه لم يسمع عن هذا المحل من قبل، ثم قررنا تجربة الآيس كريم والوقوف في الطابور. كان في المحل بعض الصور القديمة المعلقة على الحائط، وأغلب الظن أن أصحاب المحل حاليًا هم من الجيل الثالث أو الرابع الذين ورثوا الصنعة من جدهم. بعد دقائق كنت وصديقي نأكل ألذ آيس كريم، قلت: هذا الأفضل من بين كل من جربتهم، وافق صديقي على رأيي وقال: من المفترض أن يكون الأشهر، لكن بعض العوائل تفضّل أن تبقى أعمالها صغيرة لكي تسيطر عليها. بعد أن تجولنا في السوق طرحت على صديقي السؤال التالي: ترى كم من الأشياء الأفضل مغمورة؟ كم هي الأشياء التي نعتقد أنها الأفضل لمجرد أننا لم نجرب غيرها؟ راح صديقي يتذكر بعض تجاربه، قال إنه تناول أفضل شطيرة برغر من عربة صغيرة بجانب ملعب كرة قدم، وقلت له إن أفضل حلوى أكلتها كانت في قرية في محل صغير كان غرفة من بيت. في عالمنا تم اعتماد أن الأفضل هو الأكثر ظهورًا وحضورًا، وهذا لا يمت للحقيقة، نحن لم نتعرف على الكثير من الأشياء لكي نصنف ما نعرفه على أنه الأفضل. حتى في السوشال ميديا يحصل الأكثر ظهورًا على مشاهدات أكثر، ويصنف المشاهير على عدد متابعيهم، لكن السؤال هل هم الأفضل؟ يسهل التأثير على العقل، شركات الدعاية والإعلان تكثف حملاتها لفرض المنتج على عقول الجمهور لكي يعتادوا عليه، وهذا الفرض اللاشعوري هو الذي جعلنا نعتقد اعتقادات خاطئة في الكثير من الأشياء، ومجرد السماح لأنفسنا بالاطلاع أكثر سيتبين لنا أن الأشهر ليس بالضرورة هو الأفضل!.