مانشيني.. ابن النجار الذي أنقذ إيطاليا من الموت
«مانشيني الطبيب الذي أخرج إيطاليا من غرفة الإنعاش وأعادها إلى الحياة» هكذا علقت إحدى الصحف الإيطالية بعد أن قاد الأنيق روبروتو مانشيني «الآزوري» إلى خطف لقب «يورو 2020» من قلب ملعب ويمبلي في لندن ويطير بالكأس أمام أعين الإنجليز الغارقة بالدموع في معقلهم.
في بلدة جيسي الصغير التابعة لمقاطعة أنكونا المطلة على البحر الأدرياتي شمال وسط إيطاليا ولد روبرتو مانشيني شهر نوفمبر عام 1964 في عائلة متدينة يعمل والده نجارا، ووالدته ماريان ممرضة، حيث ربى الوالدان طفلهم الصغير وفقًا لشرائع الكنيسة الكاثوليكية وخلال فترات طفولته قضى الطفل روبرتو العديد من الفترات مع خدام المذبح أثناء الخدمة الدينية المسيحية.
يقول مانشيني عن طفولته: «الله كان دائمًا في حياتي، لأنني ولدت ونشأت في رعيته. كنت أذهب إلى القداس كل يوم أحد وكنت فتى مذبح، حتى ذهبت للعب في بولونيا في سن الرابعة عشرة».
خطواته الأولى في عالم كرة القدم بدأت وهو في السادسة من عمره مع فريق «أورورا جيسي» المحلي، وفي الثالثة عشرة من عمره انتقل إلى نادي بولونيا، وفي السادسة عشر من عمره لعب مانشيني في الدوري الإيطالي الممتاز للمرة الأولى.
وفي الموسم التالي، قدم مانشيني مستويات جيدة للغاية وسجل تسعة أهداف في 30 مباراة، لينظر الجميع إليه على أنه أحد أفضل اللاعبين الصاعدين بقوة في كرة القدم الإيطالية. وعلى الرغم من اهتمام العديد من الأندية الكبرى بالتعاقد معه، انتقل مانشيني إلى سامبدوريا في نهاية المطاف.
كانت ثنائية مانشيني وجيانلوكا فيالي واحدة من أعظم الثنائيات في تاريخ الكرة الإيطالية حيث قاد الثنائي الملقب حينها بـ«التوأم الهداف» سامبدوريا إلى قمة كرة القدم الإيطالية، وحصلا على كل الألقاب الممكنة في الطريق قبل أن يفترقا في العام 1991 بعد انتقال فيالي إلى يوفنتوس.
بعد 15 عامًا في سامبدوريا، غادر مانشيني النادي لينضم إلى لاتسيو، حيث فاز بلقب سكوديتو آخر وكأس الكؤوس، بالإضافة إلى كأس السوبر الأوروبي ولقبين آخرين في كأس إيطاليا، قبل يرحل في معارًا إلى ليستر سيتي الإنجليزي في تجربة لم تستمر طويلًا بعد أن تلقى عرضا لتدريب نادي فيورنتينا.
ولأن البداية لن تكون سهلة، بل في غاية الصعوبة حصل مانشيني على استثناء خاص من اتحاد الكرة الإيطالي بسبب عدم حيازته على شهادة تدريبية وتولى مهمة قيادة الفيولا الذي أجبرته الانتكاسة المالية على التخلي عن جوهرته البرتغالية روي كوستا وعملاق الحراسة فرانشيسكو تولدو الأمر الذي لم يثني المدرب الشاب عن مهمته التي تصدى لها مع عدم تلقيه أي أجر حينها حتى توج عمله بالتتويج بقلب كأس إيطاليا ومن ثم تقديم استقالته.
رافقت النجاحات مانشيني لاحقا خلال مسيرته مع الأندية التي تولى تدريبها بداء من إنتر ميلان الإيطالي خلال الفترة مابين 2006-2008 وقاده إلى التتويج بلقب الدوري ثلاث مرات وكأس إيطاليا مرة واحدة، طار بعدها إلى إنجلترا وأهدى مانشستر سيتي لقبه الأول في الدوري الإنجليزي الممتاز منذ 44 عامًا، وحط رحاله في تركيا مع غلطة سراي الذي حقق مع لقب الكأس، خاض بعدها تجربة قصيرة مع زينيت الروسي.
في نوفمبر من العام 2017 هز زلزال الكرة الإيطالية بعد سقوط المنتخب الإيطالي أمام السويد في الملحق بخسارته ذهابا في ستوكهولم واكتفائه بالتعادل سلبا على أرضه، لتغيب إيطاليا عن مونديال روسيا 2018 للمرة الأولى منذ 60 عاما حينها.
دخلت إيطاليا بطلة العالم 4 مرات في نفق مظلم وتمت إقالة جيامبييرو فينتورا مدرب المنتخب الذي عانى كثيرًا بعد الفشل في قيادة منتخب بلاده إلى كأس العالم والتسبب في غيابه الأول عن المحفل العالمي بعد أكثر من نصف قرن.
فينتورا خرج في تصريحات بعد الزلزال الكروي وأبدى ندمه الشديد على تولي تدريب إيطاليا حيث قال: «ربما كنت مخطئاً في قبول الوظيفة، لقد نسى الناس 33 عاماً من مسيرتي بسبب خسارتين فقط، والآن يمكنني أخذ تلك الخبرة معي إلى هنا وهذا ما سأفعله».
شعر الاتحاد الإيطالي أنه بحاجة إلى مدرب بمهمة طبيب ينعش قلب «الآزوري» ويعيده إلى الحياة وكان الاختيار على روبروتو مانشيني المستند على تاريخ طويل مع الأندية مزخرف بالمنجزات والألقاب، حيث يعرف المدرب الأنيق طعم النجاح إذ توج خلال مسيرته التدريبية بـ13 لقبًا.
قبل مانشيني بالمهمة وكان أول قراراته استدعاء رفيق دربه في الملاعب الراحل جيالوكا فيالي ليكون ضمن الطاقم الخاص به وبدأ الاثنان العمل معا في جسد المنتخب المثخن بالجراح، ليواصلا الرحلة التي بدأت منذ ما يقرب من 40 عامًا، وقال مانشيني عن فيالي: «لدينا علاقة تتجاوز الصداقة. إنه أشبه بأخ لي». أما فيالي فقال: «روبرتو كان مثلي الأعلى منذ أن كان عمري 14 عامًا».
كانت بطولة يورو 2020 المحك الحقيقي للفريق الإيطالي ومدربه الجديد بعد عامين من فضيحة فشل التأهل إلى المونديال، ما يعني أن الجماهير الإيطالية ليست مستعدة لتقبل إخفاق جديد في المحفل القاري بعد الغياب عن المحفل العالمي.
شق المنتخب الإيطالي طريقه في يورو 2020 بقيادة مانشيني ورفيقه فيالي وأنتهى به المطاف بطلًا للبطولة التي لم حتى يكن أكبر المتفائلين يتوقع أن يحصد لقبها المنتخب الأزرق لكن خبرة الأنيق مانشيني ورفيقه اللذان نجحا كلاعبين في رسم خريطة كرة القدم الإيطالية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، والآن نجحت علاقتهما الخاصة في إعادة المنتخب الإيطالي إلى مجده السابق.
بعد عامين من النجاح الأوروبي حصلت الكارثة مجددًا لكن هذه المرة تحت قيادة مانشيني بخسارته الكارثية أمام مقدونيا الشمالية 0-1 على أرضه ليغيب «الآزوري» بالتالي عن شمس المونديال للمرة الثانية تواليا.
يقول مانشيني عن تدريب المنتخبات: «إذا دربت ناديًا ولم تفز باللقب، فجماهير النادي هي من تغضب عليك فقط، لكن في المنتخبات سيكون البلد بأكمله غاضبا، لذلك لا أدري إذا كان تدريب إيطاليا التحدّي الأصعب بالنسبة لي».
مع مطلع العام الجاري تلقى مانشيني صدمة جديدة بوفاة جيانلوكا فيالي رفيق دربه بعد صراع طويل مع سرطان البنكرياس، حيث نعاه مانشيني، وأكد أنه فقد «شقيقا»، وقال: «، فقدت شقيقا آخر، بل شقيقًا صغيرًا، كما كنت أحب أن أناديه، لأننا التقينا في سن 16 عاما ولم نفترق مجددًا».
احتفظ مانشيني دائمًا بقدر كبير من الخصوصية بشأن حياته العائلية بعد انفصاله في العام 2015 عن زوجته الأولى فيديريكا موريلي التي أنجب منها ثلاثة أولاد أكبرهم فيليبو يبلغ من العمر 30 عامًا ، وأندريا يبلغ من العمر 28 عامًا، وكاميلا صاحبت الـ25، قبل أن يلتقي المحامية سيلفيا فورتيني والتي يرتبط بعلاقة معها حتى الآن.
على صعيد عالم المال والأعمال يملك مانشيني شركة خاصة لتصنيع اليخوت الفاخرة، كما يمتلك أيضًا فندقًا في سردينيا.
في السعودية التي تولى مانشيني تدريبها حديثًا ربما تكون المهمة أصعب من مهمته الأولى في إنعاش قلب منتخب بلاده استعادة اللقب القاري الغائب نحو الـ27 عامًا عن خزائن الصقور الخضر فهل ينجح الأنيق الإيطالي؟