|


جيوكيريس وكونولي.. غلطة الشاطر بألف

الرياض ـ حاتم سالم 2024.11.15 | 02:17 pm

بعد عودةٍ إلى الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم أنهت غياب 34 عامًا، أرسل نادي برايتون آند هوف ألبيون الإنجليزي، الذي أصبح مضرب المثل في اقتناء المواهب من مختلف أنحاء العالم، وبيع بعضها بمبالغ فلكية، سام جيويل، رئيس قسم كشّافة فريق تحت 23 عامًا، إلى السويد، بحثًا عن صيدٍ كروي جديد.
لا يلتفت النادي، الملقّب بـ «النوارِس»، لأسماء اللاعبين وفرقهم، وإنما لتحليل البيانات، ثم المتابعة الميدانية الدقيقة.
بنموذج العمل هذا، حصل على الإكوادوري مويسيس كايسيدو، نجم وسط تشيلسي الإنجليزي، والجناح الياباني كاورو ميتوما، والأرجنتيني ألكسيس ماك أليستر، نجم وسط ليفربول الإنجليزي، والكاميروني كارلوس باليبا، لاعب الوسط، والهولندي بارت فيربروجين، حارس المرمى، وقائمة المواهب تطول.
بعضهم بِيع لاحقًا إلى أندية أكبر بمقابل مادي باهظ أو قياسي، مثل كايسيدو إلى تشيلسي بنحو 116 مليون يورو، والبعض الآخر ينتظر دورَه ويساعد «النوارس» على تقديم عروض قوية في الدوري الممتاز «بريميرليج».
في السويد، قصد مبعوث النادي ملاعب دوري الدرجة الثانية، لمشاهدة مهاجم واعد عمرُه 19 عامًا، اسمه فيكتور أينار جيوكيريس، يلعب لفريق برومابوجكارنا.
أُعجِب الكشّاف جيويل بما رآه من سمات فنية وبدنية، سجَّلت درجاتٍ مرتفعةٍ في نموذج بياناتٍ يستخدمُه، ولمّا عاد إلى مدينة برايتون، جنوبيّ بريطانيا، أقنع مُسيّري ناديه بشراء اللاعب، مقابل 700 ألف جنيه إسترليني، وقيده في فريق تحت 23 عامًا.
يوصف برايتون آند هوف ألبيون، في أوساط الكرة الإنجليزية ووسائل إعلامٍ رياضية، بأنه أحد ملوك سوق الانتقالات. وخلال النافذة الصيفية الماضية، حصد النادي، الذي يترأسه توني بلوم، ثمار سياسته ودعم صفوف فريقِه بصفقاتٍ قيمتها 193 مليون جنيه إسترليني، دون أن يخالف قواعد اللعب المالي النظيف، مستفيدًا من عمليات البيع الناجحة خلال نوافذ سابقة.
لكن في حالة جيوكيريس ارتكب النادي خطأ نادرًا بألف، ضيَّع به عشرات الملايين من اليوروهات، التي ستدخل عاجلًا أم آجلًا إلى خزانة نادي سبورتنج لشبونة البرتغالي إذا استمر السويدي في صعوده الصاروخي لسلّم النجومية. هو الآن بأهدافه الغزيرة ومستواه المتصاعد محطّ أنظار نخبةٍ من أكبر أندية أوروبا. والشرطُ الجزائي في عقدِه مع سبورتنج لشبونة 100 مليون يورو «85 مليون جنيه إسترليني»، قد يتمسك ناديه بها أو يقبل أقلّ منها بقليل.
عندما وصل جيوكيريس إلى برايتون آند هوف ألبيون، مطلع عام 2018، أثارت قدراته وعقليته إعجاب سيمون راسك، مدرب فريق تحت 23 عامًا. وتنقل صحيفة «ذا تايمز» البريطانية، التي تتبّعت أخيرًا بدايات اللاعب، عن راسك قولِه: «في إحدى مبارياته الأولى معنا اندفع من الجهة اليسرى إلى العمق وسدد بقوة في الزاوية العليا للمرمى محرزًا هدفًا ضد بلاكبيرن روفرز.. كانت تلك اللحظة التي قلت لنفسي فيها نعم لدينا لاعب جيد هنا».
لكن الجهاز الفني للفريق الأول، بقيادة المدرب جراهام بوتر، صعّد مهاجمًا آخر، من فريق تحت 23 عامًا، إلى المجموعة المشارِكة في «البريميرليج»، هو الأيرلندي آرون كونولي، الذي حصد نهاية موسم 2018ـ2019 جائزة أفضل لاعب في الـ «PL2»، وأحرز أهدافًا أكثر من زميله السويدي.
كانت تلك بداية النهاية لقصة مهاجم برومابوجكارنا مع «النوارس». خرج معارًا لموسم إلى سانت باولي، في الدرجة الألمانية الثانية، ولمّا عاد أعير نصف موسمٍ إلى سوانزي سيتي ونصفه الثاني إلى كوفنتري سيتي، وكلاهما ضمن القسم الإنجليزي الثاني «التشامبيونشيب».
قبل الإعارة الألمانية والإعارتين الإنجليزيتين، خاض فيكتور بعض المباريات مع الفريق الأول، ضمن بطولات الكؤوس، وأحرز هدفًا وحيدًا خلال ثماني مشاركات. أرقامه كذلك مع الفرق التي استعارته كانت متواضعة. عاد صيف 2021 إلى برايتون، لكن ماكس روبينز، مدرب كوفنتري سيتي، طلب ضمّه بصفة دائمة، وأتمّ ناديه التعاقد مقابل مليون جنيه إسترليني، بزيادة 300 ألف فقط عمَّا دفعه بلوم لبرومابوجكارنا. مبلغ صغير ومحبط لبرايتون، لكن في كوفنتري لم يكن الجميع مقتنعًا بجدوى الصفقة.
يقول أدي فيفياش، مدرب كوفنتري المساعد سابقًا، لـ «ذا تايمز»: «لقد رأينا بعض اللمحات، لكن بالنسبة لي كان الأمر يتعلق بالتساؤل: هل سيصل إلى المستوى المأمول؟».
على مدى موسمين، تخطى اللاعب توقعات أكثر المتفائلين به، محرزًا 40 هدفًا وصانعًا 17 في 97 مباراة. كسِب المدرب روبنز رهانه الكروي، وحصدت إدارة ناديه ثمن ثقتِها في اختياراته، مُحقِّقةُ نحو 20 مليون جنيه إسترليني ربحًا صافيًا ببيعها اللاعب، صيف العام الماضي، إلى سبورتنج لشبونة.
وبينما تتابع أوروبا تألق جيوكيريس الملفت في الدوري البرتغالي ودوري أبطال أوروبا واهتمام عمالقة أندية القارة به، يتحسر أنصار برايتون على التفريط فيه بثمن بخس وعجز ناديهم على استقراء أُفُق موهبته.
وكلّما ازداد توهج السويدي وقيمته السوقية، سأل المشجعون أنفسهم مجددًا كيف ارتكب ناديهم، الذي ربِح الكثير من اكتشاف وبيع المواهب، هذا الخطأ النادر، الذي يحاول راسك تفسيره بالقول: «في بعض الأحيان يكون الأمرُ غامضًا بعض الشيء». يقتنع المدرّب، الذي قاد جيوكيريس عامًا ونصف العام في فريق برايتون تحت 23 عامًا، أن «الوقت قد يكون كل شيء بالنسبة للاعبين الشبّان». ويشهد آخرون درّبوا اللاعب وزاملوه أنه يتمتع، منذ أن كان صغيرًا للغاية، بعقلية محارِبة عنيدة وبدرجة تركيز عالية على الأهداف إلى أن تتحقّق.
حاليًا وبعد خمسة أعوامٍ من قرار تفضيل كونولي على جيوكيريس، يجلس الأول احتياطيًا مع سندرلاند، في «التشامبيونشيب»، وقد لا يتذكره مشجعو برايتون بأهدافه القليلة، التي أسعدتهم ثماني مراتٍ فقط، وإنما بتسبّبه دون قصدٍ في رحيل نجمٍ دولي سويدي تترقبّ أوروبا معرفةَ محطته الاحترافية المقبلة.


جيوكيريس وكونولي.. غلطة الشاطر بألف