نيمار.. نجا من الموت رضيعا.. وأنقذ أسرته من الفقر
يضج موقع الفيديوهات الشهير «يوتيوب»، بمقاطع تصل مشاهداتها إلى ملايين الأرقام، تتحدث عن مهارات البرازيلي نيمار وطريقته في التلاعب بالخصوم بقدمه اليمنى التي تسرّ الناظرين، وبفضل أسلوبه الرشيق في مداعبة الكرة، ومروره السهل بين المدافعين، حيث يستطيع بفضل مهارته مراوغة 3 لاعبين ببساطة، خفيف الحركة مثل زئبقٍ يصعب الإمساك به، وحينما يطارده أحد داخل الملعب، ينطلق بالكرة كالسهم متسلحاً بأسلوبه اللاتيني الأنيق، ومراوغته الذكية بكلتا قدميه ناهيك عن كسر ظهر خصومه عبر خدعة الالتفاف المفاجئة.
كان الزوجان نيمار سانتوس سينيور، ونادين دا سيلفا يكابدان الفقر وشظف العيش ومرارته في حي متواضع للغاية في ساو باولو ثاني أكبر مدينة في العالم، والأهم في البرازيل والتي يعيش فيها أكثر من 10 ملايين شخص.
يقول والد نيمار عن الحي: «إنه حي متواضع للغاية، وعندما كنا هنا كان هناك مكب للنفايات، حيث ألقت المدينة بأكملها نفاياتها، وتنتج ساو باولو كل يوم 14 ألف طن من النفايات، أي ما يعادل حجم برج بيزا المائل».
في 5 فبراير من العام 1992 رزق الزوجان نيمار سانتوس سينيور، ونادين دا سيلفا ابنهم البكر حيث ورث الابن البكر اسم والده نيمار وكان قدومه إلى العالم الخبر السار في حياة الزوجين اللذان صبغت حياتهما بشتى أنواع البؤس والشقاء.
كاد الزوجان البرازيليان أن يفقدا أبنهم الرضيع بعد مرور 4 أشهر من والدته بعد تعرضهما إلى حادث مروري مروع حيث أصيب بجرح في رأسه وتعافى منه لاحقاً، تسبب ذلك الحادث الذي نجى منه الطفل الرضيع في إصابة والده بكسر في عظام الفخذ أنهت مسيرته الرياضية أيضا بعد أن كان لاعبا هاويا في أحد أندية الدرجة الأدنى بالبرازيل.
عاش نيمار طفولة صعبة بسبب ظروف والديه المادية الصعبة والتي بلغت في أحد الأوقات حد عدم القدرة على سداد فواتير الكهرباء والماء واستخدام الشموع لإضاءة المنزل الأمر الذي أجبرهم على اللجوء إلى منزل جد نيمار والإقامة فيه إلى حين توفير مصاريف السكن في منزل مستقل.
عمل والد نيمار في شتى أنواع الوظائف من أجل انتشال أسرته الصغيرة ورفع مستوى جودة الحياة لديهم، وخلال تلك الأوقات الصعبة كانت موهبة الطفل الصغير تتشكل في المنزل وأزقة الحواري.
في عمر السادسة بدأت موهبة نيمار في البروز من خلال ممارسته الكرة مع أقرانه الصغار ما جعل والده يفكر في المراهنة عليه لتحقيق حلم احتراف كرة القدم الذي فشل هو في بلوغه، وأيضاً من أجل انتشال أسرته من الفقر المدقع الذي ألقى بظلاله عليها.
جمع والد نيمار بعض الأموال من أجل تسجيل ابنه الذي بلغ السابعة من العمر حينها مع موهبة كروية ثمينة في أحد الأندية والذي كان يُدعى بورتوغيزا سانتيستا وهو فريق محلّي في مدينة سانتوس التابعة لولاية ساو باولو البرازيلية.
خلال تلك الفترة استدان الأب المال من أجل الانتقال إلى حي قريب من ملعب النادي حتى يتمكن ابنه من ممارسة هوايته والتألق ولفت أنظار كشافي المواهب الذين تكتظ بهم جنبات ملاعب الحواري والفرق الصغرى بالبرازيل أملا منهم ورغبة في اكتشاف موهبة قد تكون حديث العالم يومًا من الأيام وتمتلئ جيوبهم بالأموال.
كانت موهبة نيمار الفريدة من نوعها مطمعًا للعديد من الأندية البرازيلية بعد أن التقطته أعين الكشافين التي سارعت بنقل الخبر إلى مسؤولي تلك الأندية التي تتافست حينها على محاولة خطف الجوهرة الصغيرة، وكان نادي سانتوس السباق في نيل توقيع الفتى الأسمر النحيل.
خلال تلك الفترة كان البرازيلي روبينيو معشوق جماهير الأسود والأبيض ينثر سحره في جنبات ملعب أوربانو كالديرا وتحت أنظار نيمار وبقية الأطفال في فريق سانتوس للشباب، وكان لاعب ريال مدريد قدوة العديد منهم ومن ضمنهم نيمار الذي يقول: «مثلي الأعلى دائمًا كان روبينيو، منذ أن كنت صغيرًا، عشقت كل شيء يقوم به، وتمنيت أن أكون مثله».
لم يعلم روبينو الذي غادر سانتوس في موسم 2005 إلى ريال مدريد، أنه حين يعود إليه معارًا بعد 5 أعوام سيجد شابا صغيرا خطف قلوب الجماهير وبات النجم الأول الذي أعاد أمجاد سانتوس القديمة التي كانت على يد الملك الراحل بيليه الذي تطلق جماهير سانتوس لقبه على أي موهبة جديدة تظهر في الفريق.
تزامنت عودة روبينيو الأولى إلى سانتوس عام 2010 معارًا من سيتي مع بزوغ فجر موهبة استثنائية أخرى، نيمار الذي قاد النادي إلى المجد من جديد بعد أن لفت الأنظار في كوبا ليبرتادوريس في العام 2011 ومنحه اللقب، لكن هذه المرة، كانت المقارنة مع بيليه صامتة، وبدلاً من ذلك أطلق عليه لقب "الجوهرة" نظرًا لمهاراته الاستثنائية.
ووصف زيكو الأسطورة البرازيلية نيمار بأنه أحد أفضل ثلاثة لاعبين في العالم بعد إحرازه الهدف التاريخي في شباك فلامنجو موسم 2011 وأمام أعين مواطنه الأسطوري الأخر رونالدينو حين استحوذ اللاعب البالغ من العمر 19 عامًا حينها على الكرة في الجناح الأيسر داخل منتصف ملعب فلامنجو، وبعد 11 ثانية، وبعد الهروب بالكرة كانت في الجزء الخلفي من الشبكة، خسر سانتوس في نهاية المطاف 5-4، لكن نيمار لا يزال اللاعب الوحيد الذي فاز بجائزة بوشكاش لأفضل هدف التي يمنحها الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا لأصحاب أجمل الأهداف خلال العام الكروي وفريقه خاسر للمباراة.
في يونيو 2013 قدم برشلونة الإسباني نيمار في ملعب الكامب نو أمام 56 ألف مشجع في صفقة كانت ثاني أغلى صفقة في تاريخ النادي الكتالوني حينها، ليخوض الفتى البرازيلي أول تجربة احترافية خارج بلاده مع كوكبة نجوم برشلونة حينها يتقدمهم ميسي وإنييستا وتشافي والبقية.
أثبت نيمار أحقية إدارة برشلونة في المراهنة عليه ودفع المبلغ الفلكي من أجل استقطابه بعد أن تألق في صفوف العملاق الكتالوني وشكل بجانب ميسي وسواريز ثلاثي أرعب فرق القارة العجوز بأكملها قبل أن ينتقل بعد 4 أعوام إلى صفوف باريس سان جيرمان مقابل 222 مليون يورو ويصبح أغلى لاعب في العالم عام 2017.
بات نيمار الذي كان سليل سحرة السيليساو الوريث الشرعي للمدرسة البرازيلية الممتعة التي تناوب أبناء السامبا منذ نصف قرن على نثر السحر الكروي جيلًا بعد آخر حتى باتت بصمتهم لا تنسى وكان نيمار حامل لواءه في هذا الوقت الحالي.
في إحدى التصريحات أبدى نيمار إعجابه الشديد بالبرتغالي كريستيانو رونالدو معتبرًا إياه قدوة له حيث قال: «رونالدو مرجع وقدوة للاعبين أمثالي، أنا معجب للغاية باحتفاظه بنفس مستواه على مدار 10 سنوات كاملة، مثل ليونيل ميسي، أحترم رونالدو كثيرا بسبب التاريخ الكبير الذي سطره في السنوات الماضية»، لكن جماهير الهلال لن تنتظر مثل هذه التصريحات من الفتى البرازيلي مجددا حين يتواجه الثنائي في ديربي الرياض قريبا ولن يرضى عشاق الأزرق العاصمي سوى بالإطاحة برونالدو وفريقه الأصفر.