«الرجل الأحمر».. عاشق يردد أشعار الحب في المدرج منذ نصف قرن..
ينقل عن الفرنسي إريك كانتونا أحد أساطير قلعة الشياطين الحمر فريق مانشستر يونايتد الإنجليزي قوله: "يمكنك تغيير زوجتك أو منزلك أو حتى عائلتك، أي شيء في حياتك سوى ناديك المفضل" تلك المقولة التي لم تكن مجرد مقولة عبثية في حياة عميد المدرج السعودي "عاطي الموركي" الذي اصطبغت حياته باللون الأحمر، وكان صوته خامة فريدة يتردد صدى أهازيجه الحماسية منذ نصف قرن من خلال حضوره الدائم والمؤثر في مدرجات نادي الوحدة.
في العام 1954 أبصر الموركي النور في أحد أحياء مكة المكرمة العريقة المسمى بـ"الطندباوِي" والواقع غرب العاصمة المقدسة، حيث عاش الموركي طفولة طبيعية في أزقتها التي كانت تعيش أمجاد فرسانه الحمر "نادي الوحدة" وبداية الديربيات مع أصفر جدة "نادي الاتحاد" .
لم تمض عدة أعوام حتى اندلعت الأفراح في مكة المكرمة عقب تتويج الوحدة بلقب كأس الملك عام 1957 للمرة الأولى في تاريخه على حساب الاتحاد برباعية نظيفة لم تنسها ذاكرة من عاصروها، وكان الطفل الصغير يبلغ حينها من العمر 3 أعوام وهو يشاهد فرحة المكيين بانتصار فارسهم الأحمر.
بعد عامين فقط عاد الوحدة وتوج بلقبه الثاني في منافسات مسابقة كأس ولي العهد عام 1960 مضيفا الكأس الثانية إلى خزائنه ويسجل حضوره ضمن الكبار في بداية تأسيس الرياضة السعودية.
توالت الأعوام ومضت وكبر الطفل الصغير وبات متيما وعاشقا لنادي الوحدة بعد أن شهد صولاته وجولاته وهو يجندل الخصوم ويحصد الألقاب ولا يغيب عن منصات التتويج بعد أن توج باللقب الثاني له في كأس الملك عام 1966.
شغف حب الوحدة قلب "الموركي"، ومنحه ولاءه الأول والأخير، وسخّر نفسه وماله وكل مايملك من أجل مدرجه، فعاصر أجيالا متعاقبة، وشهد حقبة الجيل الذهبي، ما جعل أبناء أم القرى يتغنّون بحبّه، وأهازيجه التي يرددونها كثيرا، خاصة قبل كل مباراة: "حنا أهل زمزم وجيران الحرم، وبحق من قال لبيك لبيك، يارب وفق جيران البيت".
بات "الموركي" علامة تاريخية وماركة مسجلة في المدرج الوحداوي خاصة والسعودي عموما، وهو يصدح بصوته الشجي الذي جمع نكهة الحاضر بالماضي القديم، وجذبت بساطته وتواضعه كل من عرفه،فتميز بهندامه الجذاب من خلال ارتداء الشماغ فوق رأسه بطريقة "بنت البكار" الشخصية المتعارف عليها شعبيا منذ الستينات، والتي كانت حاضرة معه في كل مدرجات العالم من أمريكا وحتى الصين إلى روسيا.
لم تغيّر السنين العجاف التي عصفت بالوحدة من محبة عاطي لمحبوبه الأحمر، وكان يزداد عشقا عاما تلو الآخر على مدار أكثر من نصف قرن، يذهب أينما حلّ عشقه الخالد، في جميع أنحاء المعمورة، مرت أجيال وأجيال، اعتزل الكثير منهم، تغيّر المكان والزمان، ولا يزال عميد رابطة المدرجات في المدرج بميكروفونه يردّد الأهازيج مشجعا ومطربا الحضور، ويبث روح الحماس وسط اللاعبين، ولم يكتف بحضوره المؤثر كقائد في المدرجات، حتى بات رمزا ثابتا لا يتغيّر ولا يتلوّن، كيف لا وهو الذي ظلّ فيها طوال تاريخه الطويل الممتد لأربعين عاما، كان فيها عنوان الوفاء والإخلاص والتضحية والعشق، وظلّ يدعم الوحدة على مر الأعوام بماله وجهده ووقته، حتى إن المباراة الواحدة في مكة أو جدة تكلفه مبلغا كبيرا يدفعها من حسابه الخاص لأعضاء رابطته.
"أبو عطية" كما يحب أن يكنّى، عرفته الجماهير أيضًا في مدرجات المنتخب السعودي ولم يتخلّ عن واجبه الوطني في دعم الأخضر، وكان شاهداً على بداية المنجزات السعودية، وكانت مدينة لوس أنجليس الأمريكية عام 1984 أول مدينة يبدأ فيها الموركي قيادة المدرج الأخضر خلال أول مشاركة للأخضر في دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها المدينة الأمريكية، وكانت أول أهزوجة صدح بها الموركي "حيوا الزياني حيوا"، والتي هزّت مدرجات الملعب قبل انطلاق مباراة الأخضر أمام البرازيل في أولى مشاركات السعودية في الأولمبياد.
غدا في ملعب مدينة الملك عبدالله الرياضية "الجوهرة" حين يواجه الوحدة نظيره الهلال على نهائي كأس الملك ستشاهد الجماهير رجلا اعتادت على رؤيته حاملا ميكروفونه الذي رافقه قرابة النصف قرن، رجلٌ بلغ من العمر ما بلغ، وتجاعيد الزمن ارتسمت على وجهه، وملأ الشيب شعره ولحيته، لكن قلبه الفتي ودعواته الصاعدة للسماء ترجو أن تكتب الأقدار لمعشوقه التتويج بأغلى الألقاب الغائبة عن خزائنه منذ زمن طويل.