سالم.. طالب كسول.. سطر المجد لاعبا
يصف مارك كوبان، رجل الأعمال الأمريكي الشهير والمالك الرسمي لفريق كرة السلة في دوري الـ«NBA»، دالاس مافيريكس نصيحة «اتبع شغفك» بأنها واحدة من أكبر أكاذيب الحياة التي يرددها الجميع، لكن هذه النصيحة لا تنطبق على سالم الدوسري النجم السعودي الدولي، الذي لطالما انتقده معلموه ونعتوه بـ«الطالب الكسول» قبل أن يصبح أيقونة الكرة السعودية في العقد الأخير.
كان محمد آل سويلم الدوسري الأب الذي يعمل في السلك التعليمي يعول عائلة مكونة من 3 أبناء و5 بنات، أصغرهم سالم الطفل النحيل الذي أنجبت أزقة مدينة جدة وحواريها موهبته، حين كان يلهو مع أقرانه ويمارس معشوقته الساحرة، التي اعتاد مداعبتها بقدميه الصغيرتين وجسده الأسمر النحيل، يراوغ هذا ويتجاوز الآخر ويهتف الأقران باسمه، حيث يتسابقون على اللعب معه لضمان الانتصار في مباراة الأزقة الضيقة، التي كانت شاهدة على مولد عباقرة اللعبة وسالم أحدهم.
أجبرت الظروف العملية والد سالم على الانتقال إلى الرياض العاصمة السعودية، وكان انتقاله بداية قصته مع مطاردة حلمه وشغفه، الذي لم يتخل عنه، وقاتل لأجله رغم تعدد العثرات والعقبات.
يقول أحد معلميه في المدرسة: «كان سالم قليل الاهتمام بدراسته، ولا يفكر سوى في كرة القدم، وكيف يستطيع أن يجد الفرصة في أن يهرب من الحصص الدراسية، من أجل لعب الكرة رغم أن شقيقه الأكبر كان معلمًا ويحرص على أن يكون من أفضل التلاميذ وأنجبهم».
وعلى عادة الكثير من العباقرة والناجحين المؤثرين الذين لم تكن مقاعد الدراسة والتعليم المكان المفضل لهم، واصل سالم تمسكه أكثر بحلمه في احتراف معشوقته، وطرق العديد من الأبواب بعد أن يئس الجميع من قدرته على النجاح في الدراسة، وأصر على أن يتبع النصيحة الشهيرة «اتبع شغفك»، وقاتل من أجله رغم عدم رضى العائلة عن فشله الدراسي.
كان فريق الشباب أول الأبواب التي طرقها الشاب النحيل، بحثًا عمّن يحقق له حلمه، ويستثمر موهبته ويطورها، لكن الظروف حالت دون أن يكتشف الشبابيون موهبته، قبل أن يقرر السفر إلى مدينة حرمة التي تقع على مسافة 195 كيلومترًا تقريبًا، شمال غرب مدينة الرياض، لعله يجد ضالته في نادي الفيصلي الذي كان يستقبل حينها المواهب الشابة التي يئست من أن تجد الفرصة والاهتمام من أندية العاصمة المتخمة.
لم تستمر تجربة سالم مع الفيصلي سوى أسبوع واحد فقط، عاد بعدها إلى الرياض محطمًا وفي الوقت ذاته يسلي نفسه بالآمال، يرقبها مرددًا «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل».
فسحة الأمل التي ظل الدوسري يلاحقها بدأت تظهر ملامحها حين أمسك أحد أصدقائه بيديه وقاده إلى مقر نادي الهلال، ليخوض تجربة قد تثمر عن تحقيق حلمه في ارتداء القميص الأزرق، وهذا ما تحقق بعد أن آمن إداري فريق الهلال الأولمبي بموهبته، وقرر عرضه على النادي الذي لم يتردد كثيرًا في تسجليه.
لم يكن الألماني توماس دول، ابن مدينة مالشين، البلدة الريفية التي تقع شمال ألمانيا، يتوقع أن يكون ظهور أبرز موهبة سعودية على يديه، حين قرر الزج بالفتى النحيل في مواجهة الديربي أمام النصر، التي استطاع خلالها سالم تسجيل هدفه الأول بعد عدة دقائق من دخوله.
فيما بعد، فرض الدوسري اسمه على جميع المدربين الذين تعاقبوا على تدريب الهلال، بدءًا من الألماني توماس دول، وحتى الأرجنتيني رامون دياز، وبات رقمًا صعبًا في تشكيلة الأزرق وقاده إلى التتويج بالعديد من الألقاب.
«التورنيدو» صاحب الـ31 عامًا، لم يكتف بالأرقام المحلية، بل بات يزاحم كبار نجوم العالم في الأرقام التاريخية والقياسية في البطولات العالمية، على صعيد النادي والمنتخب السعودي بعد أن بات أكثر لاعب سعودي إحرازًا للأهداف في بطولة كأس العالم للأندية، بعد ثنائيته في شباك فلامنجو البرازيلي، التي طار الهلال على إثرها إلى نهائي مونديال الأندية، وقبلها هدفه الشهير في شباك منتخب الأرجنتين بطل العالم.
15 بطولة حققها الدوسري مع الهلال خلال مسيرة امتدت قرابة 13 عامًا في الملاعب، سطر خلالها أبرز الإنجازات، ولم يبق سوى أن يزور الشباك في نهائي مونديال الأندية ويقود الأزرق إلى اللقب العالمي، ليكتب اسمه بحروف من ذهب في تاريخ الرياضة السعودية والآسيوية.