ثنائية الهلال والنصر على امتداد الجغرافيا
ليس هناك صداقات دائمة، وليس هناك عداوات دائمة، وإنما هناك مصالح دائمة.. قاعدة براجماتية متعمقة بالوجودية الدبلوماسية ومتشبعة بالذاتية والواقعية التي كانت أبرز سلوكيات القائد الإنجليزي الأسطوري ونستون تشرشل..
هذا كلام ذاك الرجل الممتلئ شحومًا ولحومًا ونظرات حادة وحكمة راسخة اكتسبها من إرث الإمبراطورية البريطانية العظمى التي لم تكن تغيب عنها الشمس..
رجل مهم في تركيبة الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية.. رجل الانتصار الذي أركع الألمان وأنقذ العالم كله من مغامرات هتلر الشيطانية..
يقصي تشرشل الصداقات والعداوات من الحسابات السياسية.. يؤمن بالمنفعة
الحيوية المتحركة.. نعم هذا كلامه في السياسة.. وما الأندية وما الرياضة وما الرياضيون منها ببعيد.
قريبًا هنا بين ظهرانينا يتبلج النصر والهلال كقرينين يمكن على رقابهم تعليق كل ما يدور في أقاصي الكرة الأرضية وأدناها..
كرة القدم التي تصلح ما أفسدته السياسة.. سياسة تشرشل ورياضة الحلفاء وأيضًا الأعداء الذين ليس من صداقتهم بُد..
كرة القدم أرض خصبة تلخص الصراعات والتنازعات وتلك المعارك التي يمكن فيها رؤية مدامع الحزن القاتل وتباشير الفرح المجنون..
وفي كرة القدم السعودية بالذات يتشمخ عنوانها العريض بلقاء أضداد جمعتهم قواسم مترابطة كسلاسل ممتدة متوثقة بأعجاز نخل خاوية عصية على الريح حتى في الأيام العاصفة..
هذان النصر والهلال.. وحدهما لا شريك لهما..
العنوان والغاية والوسيلة والقصة الكاملة والصورة الكبيرة..
في كل مكان تتموضع فيه كرة القدم كحركة نابضة بالحياة والتحدي والبقاء يبرز ناديان يتقاسمان البطولات والتاريخ والنجوم.. يتقاسمان الحب والقلوب والأفئدة المغلوب على أمرها.. يتقاسمان التأثير الاجتماعي بذاك البعد الإنساني الفسيح..
يتقاسمان ألد الأعداء وأروع الأصدقاء.. الولاءات القادمة من وراء أنفس تضطر للتخندق في أحد المعسكرين..
يحدث هذا في كل الأمكنة التي بخصت كرة القدم وعرفتها عز المعرفة.. يحدث هذا في إسبانيا حيث الريال والبرشا..
هو ذات المشهد في مصر وأنت تتصفح سيرة الأهلي ومسيرة الزمالك.. الرجاء والوداد في المغرب.. الترجي والإفريقي في تونس.. الهلال والمريخ في السودان.. بوكا جونيورز وريفربليت داخل تلك البلاد البعيدة والغريبة التي تدعى الأرجنتين.. بالطبع قد لا تتساوى حصيلة الإنجازات والأمجاد والبطولات، وهذه بالذات لها عواملها وتفصيلاتها وأسبابها وظروفها التاريخية، لكن ما عداها فكل شيء ينبئ بتلك الحالة التنافسية التي تختار اثنين لا ثالث لهما يتسيدان المشهد ويسيطران على الاهتمامات الشعبوية بوجوهها الواضحة والمكشوفة..
يأتي الهلال والنصر بكامل أناقتهما مثل أبطال أفلام الفتوات في السينما المصرية.. يتعاركان على كل شيء وأي شيء وأقل شيء وأكثر شيء..
ويكسبان الحلفاء والأصدقاء وأيضًا الأعداء.. تلك المكاسب تكون أحيانًا بالتخطيط وأحيانًا نتاج طبيعي للرؤية التشرشلية حيث تفرض المصالح نفسها وأحيانًا هناك التحالفات المؤقتة والعداوات المؤجلة التي تقول كلمتها الفاصلة كالأقدار.. وربك الرزاق..!!
وخارطة تحالفات الهلال والنصر ممتدة ومتسعة ومتسقة مع فرضية صامدة تثبت تغلغلهما في تفاصيل العمق الكروي على كامل الخارطة السعودية..
في جدة هناك الأهلي والاتحاد.. عملاقان نافذان يكملان رباعية الكبار.. جماهير ونجوم وتاريخ وبطولات.. لكنهما لم يستطيعا النأي بنفسيهما عن لعبة التحالفات تلك.. الأهلي حليف النصر.. هناك أهلاويون يميل بهم الهوى وبوضوح للهلال مثل ما كان الأمير محمد العبدالله الفيصل الذي اشتهر بتفضيله للأزرق بعد الأهلي..
هناك أهلاويون لا يهمهم النصر ولا يهمهم الهلال لكن غالبية الأهلاويين يفضلون النصر على من سواه..
في الاتحاد يأتي منصور البلوي الذي يزعم اتحاديون عرفوه وجالسوه وعملوا تحت إمرته بأنه نصراوي قبل أن يكون اتحاديًا أو أكثر من أن يكون اتحاديًا.. هناك أسماء اتحادية كثيرة تميل للنصر.. لكن الهوى الاتحادي يسير وراء الرياح الهلالية بشكل غالب..
ذاك عبد العزيز شرقي أبرز عتاولة الصحافة الرياضية ورمز الإعلام الاتحادي الشاهق.. أصدر كتابًا عن صالح النعيمة قائد الهلال التاريخي بعنوان "الكابتن"..
وحتى لا يقول القائلون إن هذا كلام متطرف يستعصي على العقل قبوله أو تقبله أعيده وأكرره وأتوقف عنده طويلًا لعل الغمائم تسري إلى مستقر لها وتتسلل أشعة الشمس مشرقة على الحق الذي لا يراد به باطل.. الاتحاد أو الأهلي كلاهما مستقلان تمامًا ولا يأتمران بقرارات النصر أو الهلال.. هي فقط تلك الحالة التأييد والمناصرة الظاهرة والباطنة والتكاتف مع هذا أو ذاك لتحقيق غايات في أنفس مرتبكة.. الهلالي يؤيد كل شيء يجد فيه مصالح فريقه العليا أو الدنيا أو ما بينهما..
هو النصراوي بذات القدر وذات الطريقة وذات الفلسفة.. لا يشجع الهلالي فريقًا ثانيًا.. هو فقط التعاطف مع الحلفاء والأصدقاء أو نكاية بما يوصم بالأعداء.. هو النصر صورة طبق الأصل.. في الاتحاد وفي الأهلي تبدو الأمور مختلفة شكلًا ومضمونًا.. كثر من كلا الطرفين يشجعون النصر أو الهلال بعد الأهلي والاتحاد.. إنها مجرد توضيح الواضحات..
السنوات الأخيرة بدت الرؤية أكثر سطوعًا ووضوحًا.. تخندق الاتحاديون إعلامًا وجمهورًا وراء الأزرق.. ليس حبًا بمعاوية ولكن كرهًا بعلي.. الأهلاويون لم يصطدموا مع الهلال حتى يشجعوا النصر.. هي حسبة الزمن ليس إلا..
في المنطقة الشرقية.. النهضة تصبغ بكل شيء يحمل نسائم الهلال.. لعب فيصل الشهيل دورًا محوريًا في هذه التبعية.. كان كثير من الأسماء التي لا يحتاجها الهلال تمشي بخطى واثقة نحو مرابع النهضة.. بالضبط كالذي يهبط من الدور العشرين في فندق فاخر إلى الدور الرابع..
فيصل الشهيل الشخصية الأكثر تأثيرًا في تاريخ النهضة.. تبوأ مراكز قيادية في الهلال وفي النهضة.. كان يوصف بعضو شرف هلالي وقت تربعه على عرش رئاسة النهضة.. إنها فروقات الولاءات والانتماءات والتحالفات.
أعضاء شرف نصراويون معروفون مثل تركي بن ناصر وخالد بن فهد دعموا القادسية لسنوات طويلة..
ذاك الدعم نابع من العلاقة الروحية الوثيقة بين عشاق القادسية والنصراويين.
منذ سنوات والنصر يتبضع من القادسية بدعم ومباركة من خالد بن فهد.. يدعم هذا الرجل الفريق القدساوي منذ سنوات طويلة وحينما يحتاج النصر لاعبًا قدساويًا لا يجد صعوبات كبيرة في اختطافه.. ياسر القحطاني وياسر الشهراني وحدهما غردا خارج سرب هذه المعادلة.. ولكل منهما قصته الطويلة البحث في هوامشها وتفاصيلها يقحمنا داخل سراديب مزعجة..
في بريدة يأتي التعاون حليفًا وثيقًا للنصر.. كثر من الروايات تقول إن اختيار اللون الأصفر للتعاون جاء تماشيًا مع ألوان النصر.. يعلن التعاونيون وبصراحة ودون مواربة حبهم وتعلقهم بهذا النصر.. في فترات نادرة توثقت علاقة التعاون بالهلال، ويعود هذا لتولي شخصية تعاونية مثلًا الأمور وتميل للأزرق وهي حالات لا يمكن أبدًا القياس عليها.. الرائد وجماهيره هلاليون.. يرأس الرائد الآن فهد المطوع وهو شخصية رياضية كانت قاب قوسين أو أدنى من رئاسة النصر..
المطوع نصراوي، وهذا ليس سرًا ويرأس الرائد النادي ذو الخلفية الهلالية..
ما يحدث في الرائد هو تأكيد لاستقلالية القرار ونفي مطلق للتبعية..
الرائد مستقل بذاته.. كذلك التعاون.. لكن الكلام يدور فقط حول رحى التعاطف والتعاضد والارتباط الشعبوي والتاريخي لجماهير الفريقين وإعلامهم وأيضًا شخصياتهم النافذة بالنصر والهلال..
على بعد ما يقرب الخمسة وعشرين كيلو مترًا جنوب بريدة هناك عنيزة.. المدينة القصيمية الثانية التي تحتضن النجمة والعربي.. هما كذلك أدلفا باب التحالفات تلك..
النجمة وأتباعه هلاليون حتى النخاع.. العربي وأنصاره نصراويون من رؤوسهم حتى أخمص أقدامهم.
ظل صالح الواصل الرجل الأهم في تاريخ النجمة يتعاطى وبوضوح مع واقعية التقارب الوثيق مع الهلاليين.. ظلت جماهير النجمة ورابطة مشجعيها تدعم الهلال كلما حطت خطاه في منطقة القصيم أمام أبناء العمومة..
يقود أمين الملاح مشروع عودة العربي من الظلام إلى أضواء التحديات المثيرة.. الملاح رجل أعمال ناجح ويميل للهلال، لكنه لن يستطيع مهما دفع ومهما فعل أن يحول مزاج العرباويين من النصر إلى الهلال.. هذا مستحيل.. مستحيل..!!
باتجاه الغرب القصيمي هناك الرس ثالث المدن الحيوية وفيها الحزم والخلود.. جمعتهما مدينتهما الصغيرة وتفرقا في هوى النصر وأهواء الهلال..
الحزم ظل حليفًا واضحًا وموثوقًا للنصر..
عشرات الرؤساء الذين مروا على قيادة الحزم يميلون للنصر.. رئيسه الحالي سلمان المالك كان قياديًا نصراويًا في فترة ليست بعيدة ويعرف كعضو شرف سجل مواقف مشهودة وشهيرة نابعة من ارتباطه بالنصر..
الخلود على الضفة الأخرى تخصب باللون الأزرق.. هو أيضًا أغلب رؤساؤه هلاليون وعشاق حقيقيون للزعيم الكروي الكبير.. وما يقال عن قادته ورؤسائه يقال أيضًا عن جماهيره..
على بعد ما يقارب المئة كيلو جنوب الرياض هناك مدينة الخرج التي تضم عدة أندية أبرزها الشعلة والكوكب.. الشعلة فريق متحالف تمامًا مع الهلال.. صحيح أن هناك بعض اللاعبين الذين يعود مسقط رأسهم الكروي للشعلة مثلوا النصر لكن ذاك ينحصر في إطار الصفقات الاعتبارية ليس إلا..
الكوكب نصراوي حتى وإن كان يرأسه الآن دباس الدوسري المعروف بهلاليته، لكن الكوكب وأنصاره ظلوا ميّالين تمامًا للنصر..
شمال العاصمة السعودية وعلى بعد المئة وثمانين كيلو مترًا تتمركز مدينة المجمعة على تل مرتفع.. يستوطنها ناديا الفيصلي والفيحاء.. الفيصلي محسوب على النصراويين ورئيسه وأهم رجاله التاريخيون فهد المدلج نصراوي، فيما الفيحاء اسم ارتبط بعلاقة وثيقة مع الهلال فراح أغلب أنصاره يميلون للأزرق.. أهل المجمعة النصراويين يساندون الفيصلي.. وأهل المجمعة الهلاليين يناصرون الهلال.. هذه هي المعادلة الأكثر لمعانًا وإشراقًا..
نحط الرحال في الشمال.. في حائل هناك الطائي والجبلين وأندية أخرى كثيرة.. الطائي قلوب عشاقه صفراء فاقع لونها.. أغلب الحتماويين نصراويون.. عائلة الدعيع نصراوية حتى وإن انتقل أبناؤها عبد الله ومحمد للهلال وذادوا عن المرمى الأزرق سنوات طويلة.. حتى وإن ظل عبد الله الدعيع نفسه يذرف دموع الفرح مع كل بطولة هلالية إلا أنهم كانوا ميّالين للنصر.. عائلة الصقري التي أردفت الأشهب بستة لاعبين على مدار التاريخ نصراوية.. هناك شخصيات ترأست الطائي وكانت معروفة بهلاليتها لكن القاعدة الأشمل تجعل من الطائي أحد الحلفاء المتشكلين بالاصفرار..
الجبلين وجمهوره ومنتسبوه هلاليون.. قبل فترة قصيرة تولى قيادة الجلبين فايز المعجل، وهذا عضو شرف نصراوي بارز ومهم ودعم الأصفر كثيرًا في السنوات الأخيرة.. لكن الهوى الجبلاوي يهب دومًا باتجاه مضارب بني هلال..
في أقصى الشمال حيث منطقة الجوف يتنازع فيها العروبة والقلعة.. لدودين ومتسابقين ومتضادين.. إنها صورة حية لمعنى الديربي الكبير في إطار جغرافي محدود.. معروف ومتعارف وسط سكاكا وأهلها بأن العروبة فيه شيء من النصر.. رئيسه الأشهر والأبرز عبر مسيرته الممتدة لقرابة الخمسين عامًا هو مريح المريح.. وهذا كل شيء فيه يعشق النصر.. القلعة ذو صبغة هلالية ثابتة وراسخة ولا تتزحزح.. كل القلعاويين يحبون الهلال..
في المدينة المنورة هناك أحد والأنصار اللذان انتقل كثير من نجومهما إلى أندية عديدة.. ظل ثنائي طيبة الطيبة الكرويان كمنجم ذهب يرفد نواقص الكبار بأسماء لا تنسى وعلى رأس هذه القائمة الهداف حمزة إدريس المنتقل من أحد إلى الاتحاد.. أحد هلالي ويبدو أن عائلة فودة ساهمت بشكل مباشر في هذا الترابط.. عبد الله فودة الملقب بالعمدة مثّل الهلال في واحدة من أهم المراحل التأسيسية لهذا الفريق العملاق.. الأنصار نصراويون..
عدة أسماء بارزة ومهمة في سجلات هذا النادي صرحت وبوضوح بحبها للنصر.. ربما هي الضدية لما يسلكه الأحديين.. إذا كنتم هلاليين فنحن نصراويون.. ربما هذا هو السبب.. ربما..!!
الشباب يغلب عليه النسق الهلالي..
أهم نجوم جيله الذهبي سعيد العويران وفؤاد أنور وصالح الداود وسعود السمار نصراويون.. كان لاعبوه القدامى متوزعين بين المعسكرين الأصفر والأزرق عشقًا وميولًا وتحيزًا.. هذه حقيقة الشبابيين أنفسهم يروونها من بين مسلمات الأمور..
الرياض النادي الآخر المكمل للمربع العاصمي لم يتعمق في هذا المحيط كثيرًا..
ارتبط الرياض المسمى بمدرسة الوسطى بعائلة الحكير.. عائلة نصراوية ظلت تساند نادي الرياض ولعقود ممتدة حضورًا ودعمًا ماليًا مستمرًا..
ماجد الحكير ترأس الرياض سنين عددًا.. رؤساء آخرون كانوا هلاليين..
الرئيس الحالي أيضًا هلالي.. لكن النادي على المجمل لم يدخل ذاك المعترك أبدًا..
ظل عبد الرحمن بن سعود باني ثقافة النصر الوجودية وراسم فلسفته الشعبوية يتعاطى مع هذه الحرب الباردة في كل تفاصيل التعامل مع الأندية.. يبخس تمامًا من هي تلك الأندية التي تأتي بها ليالي الأنس الناعمة إلى زرقة الموج الهادر لتهب عليها رياح الغضب..
يغضب عليها ويستنكرها ويشجبها..
ويعرف عز المعرفة تلك الأندية التي تشغلها حضرة الرمال المتحركة فيترك لها ملاذًا آمنًا داخل الروح العاشقة..
كان يؤمن تمامًا بحرب الحلفاء وتقارب الأصدقاء ولهذا ظل طوال حياته الكروية يرى بالأندية منافسًا داخل الملعب ويرى بالهلال ذاك الخصيم الذي يجب أن تحشد له كل الإمكانات والقدرات وما تيسر من المساندين داخل الملعب.. وخارجه..
إنها أوجه أتون حروب طاحنة باردة تتدثر بالحلفاء وتتقد بالأعداء.. وليس فيها رابحون.. حتى الأصدقاء..!!