تاريخ العرب.. كأس وشعر وأحزان
جلس ليشرب قهوته التي تُريحه قليلًا من أعباء العمل، ومتابعة وكالات الأخبار، عيناه المُنهكتان من القراءة لم تمنع عقله من التفكير فيما يحدث حوله، فآسيا تعلن تأسيس بطولتها القارية، وإفريقيا تسير على نفس النهج، هنا أمسك ناصيف مجدلاني الصحفي اللبناني، قلمه وكتب، لماذا لا يكون هناك بطولة للعرب وحدهم؟، وكان عام 1957 ملائم كروياً في ظل حركة عروبية تقودها السعودية من ناحية، ومصر من ناحية أخرى، وكان السؤال الآخر هل سيتحقق الحلم أم يتكرر مصير الفرنسي هنري ديلوناي الذي نادى ببطولة الأمم الأوربية منذ عام 1927 فلم تقام إلا عام 1960، أي بعد وفاته بثلاث سنوات.
يخبرنا التاريخ أن حظ مجدلاني المتوفي 1988، كان أفضل من نظيره ديلوناي، فبعد 6 سنوات فقط أي 1963 كانت النسخة الأولى من كأس العرب، تُنظم في لبنان بمشاركة خمسة منتخبات، لكن ما لم يتوقعه الصحفي اللبناني، أن تلك البطولة التي تم تأجيلها لأسباب كثيرة، وبعيدًا عن نتائج الفوز والهزيمة، ستشهد مواقف ظلت خالدة في ذاكرة الشعوب، وبات لكل دولة ذكراها التي لا يُمكن نسيانها.
وكان أول المواقف من نصيب ليبيا التي شاركت في النسخة الثالثة من البطولة، التي لعبت عام 1966 في بغداد العاصمة العراقية، و ما زال أنصار فرسان المتوسط يتذكرون المباراة التاريخية التي جمعتهم مع سلطنة عمان، وقتها تلقت شباك الأخير 21 هدفًا مقابل لا شىء، ما دفعهم إلى الانسحاب قبل انتهاء وقت المباراة الأصلي، متهمين التحكيم بالانحياز، في ظل نتائج ضعيفة لليبيا في المباريات الأخرى، وعدم فوزها بالبطولة، أما الفائز الوحيد كان الليبي على الكسبي الذي حصد جائزة هداف البطولة.
بعد تلك النسخة توقفت البطولة نتيجة نكسة يونيو 1967، لكن المثير أنه في عام 1972، ولم تكن الأوضاع تغيرت، تقدم سيد السبع رئيس المجلس الأعلى لرعاية الشباب الفلسطيني وقتها، بمبادرة استحداث بطولة جديدة تُدعى كأس فلسطين بدلًا من كأس العرب، وبعد تسعة عشر عامًا، تمكّنت السعودية من إعادة بطولة كأس العرب، لتلعب النسخة الرابعة عام 1985 في مدينة الطائف.
ورغم فوز العراق بنسخ 1985 و1988 التي نظمتها الأردن، لتكون هي صاحبة العدد الأكبر بالفوز بتلك البطولة حتى الآن، لكن العراقيون يتذكرون تلك النسخ بوجهة مغايرة، إذ وقتها كان من يتولى اتحاد كرة القدم هو عدي صدام حسين نجل الرئيس العراقي الأسبق، وفي شهادة للراحل أحمد راضي قائد منتخب أسود الرافدين في تلك الفترة، أدلى بها لصحيفة الشرق الأوسط عام 2003، كشف فيها عن مصير اللاعبين في حال تقصيرهم، إذ كانوا يتعرضون للسجن والتعذيب لأيام متواصلة، وهو ما يعني أن الخوف كان المُحرك الأول لتحقيق الأهداف.
بعد تلك البطولة وبسبب العداون العراقي على الكويت، حظر الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» لعب أي مباريات على الملاعب العراقية منذ 1990، وهو حظر استمر 18 عامًا، وبعد عامين 1992 كان المصريون يحظون بذكراهم في البطولة التي تم تنظيمها في سوريا، إذ تمكن منتخب الفراعنة بقيادة الجنرال محمود الجوهري من حسم البطولة في مباراة نهائية مع السعودية، تابعها مئات الآلاف من العرب، وانتهت بنتيجة ثلاثة أهداف لمصر مقابل هدفين للأخضر.
6 أعوام مرت بعد ذلك لم تلعب فيها البطولة، نتيجة عدم وجود رعاة أو تضارب المواعيد مع منافسات عالمية أحيانًا، لكن في 1998 عادت البطولة من الدوحة، وهي النسخة التي خلدت في ذاكرة السعوديين، بسبب تألق عبيد الدوسري مهاجم الأخضر، وتسجيله ثمانية أهداف حسمت اللقب، وفي 2002 تكرر الإنجاز مصحوبًا بهدف محمد نور، الوحيد الذي سجل هدفًا ذهبيًا في البطولة، وما تزال جماهير الكرة السعودية تتذكر تلك الليلة التي تلألأت فيها أضواء الرياض.
أثرت أحداث 2011 كثيرًا على مستقبل البطولة التي أُطلق عليها "الحائرة"، بعد حظر لعب المباريات في ليبيا ومصر بسبب الأوضاع الأمنية آنذاك، وحين استضافت السعودية النسخة التاسعة كان الإماراتيون على موعد مع ذكراهم، بعد أن قرر منتخبهم الانسحاب تحت دعاوى الإصابات الكثيرة التي لحقت باللاعبين، وإن أرجع البعض إلى نتائج القرعة التي لم يرضى عنها المنتخب الأبيض، وفي نفس الوقت هددت العراق بالانسحاب، اعتراضاً على تعيين جهاد جريشة الحكم المصري لإدارة مباراة أسود الرافدين أمام لبنان.
نسخة 2021 التي تلعب حاليًا في قطر، حملت في أول أيامها ذكرى خاصة للمصريين، بعد ظهور سعيد صالح الفنان الراحل، في حفل الافتتاح من خلال تقنية الهولوجرام، وهو ما دفع ابنته إلى التعليق مشيدة بتلك اللافتة الطيبة التي احتفى بها عشّاق أسطورة السينما المصرية في كل مكان، كما ظهرت بنفس التقنية فيروز جارة القمر، وبعيدًا عن الفن تبقى النسخة الحالية أول من شهد تطبيق تقنية الفيديو «VAR»، والسؤال الآن أي دولة ستعود معها ذكريات لا تُنسى وأي منتخب سيحمل الكأس المرسوم عليه خريطة الوطن العربي مُزين بكلمات "موطني" للشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان.