باولينيو.. هرب من برشلونة.. وكررها في جدة
ابتسامة ماكرة، وضحكات متقطعة، أخفيا دهائه الشديد في الهروب، بعد أن خطفه أهلي جدة في ليلة ظلماء، رادين اعتبارهم أمام جارهم الأصفر المتعاقد مع مواطنه كورونادو، لكن بعد 315 دقيقة لعب وهدفين في الحزم والتعاون، طلب الرحيل متذرعا بمرض والدته وحريق في منزله، ما دفع الرئيس ماجد النفيعي إلى فتح النار قائلا: "لن يبقى معنا أي لاعب لا يستحق أن يرتدي الشعار".
ولد خوسيه باولو جونيور، والمعروف بلقب باولينيو يوم 25 يوليو 1988، في ساو باولو البرازيلية والتي تعد من بين أكبر المدن اللاتينية من حيث المساحة، فهي قلعة تجارية وصناعية ضخمة، تجري من تحتها أنهار تييتي وبينييروس وتاماندواتيي، وتطير فوقها مئات الطائرات المروحية، وبسبب التباين العرقي والثقافي اللا محدود، تجد فيها أغنياء تتضاعف حجم ثرواتهم كل دقيقة، وعلى الضفة الأخرى فقراء لا يجدون قوت يومهم.
على غرار ملايين الأطفال، وقع باولينيو في حب اللعبة، وهو لم يتجاوز السادسة من عمره، فعلى بعد 10 آلاف كم من منزله، شاهد نجوم السامبا يرفعون كأس العالم 1994 ضد إيطاليا، والذي أقيم آنذاك في ملعب روز بارك بمدينة باسادينا الأميركية، وقتها لم ينم سكان ساو باولو من الفرحة محتفين بجيلهم الذهبي. في تلك اللحظة راود الفتى الصغير حلم بأن يصبح مثل قائد المنتخب كارلوس دونغا، وحين سألته لاحقا صحيفة الغارديان البريطانية: لماذا لعبت كرة القدم؟. أجاب: "كي ارتدي شعار بلدي".
الأحلام وحدها لا تكفي، فالطفل الذي ركض مبكرا عرف لاحقا صعوبة التحاقه بنادي مدينته بالميراس، لكن سرعان ما وجد مكانا في نادي غراميو أساسكو الذي بدأ معه مسيرته في 2004، وبعد عامين فوجئ باولينيو بسهولة سفره إلى الخارج محترفا اللعب مع فيلنيوس الليتواني ولودز البولندي، وازدادت دهشة حياته عندما التقى الأسطورة رونالدو في كورينثيانز، شتاء 2010، وقتها أدرك إنه يعيش فرصة تاريخية، فاللاعب الذي حمل قميصه صغيرًا، مرددًا اسمه آلاف المرات أصبح زميله، وسوف يتبادلان الكرة، ويتحدثان في غرف الملابس، ويلتقطان أيضا صور السيلفي الرائعة سويا.
استطاع باولينيو إثبات نفسه بطريقته، انضم إلى المنتخب في 2011 مسجلا أول أهدافه ضد الأرجنتين، وفاز بكأس العالم للأندية 2012، ثم كأس القارات 2013، كما وطّد علاقته مع زميليه نيمار نجم باريس ومارسيلو مدافع ريال مدريد، تلاها صفقة انضمامه إلى توتنهام اللندني مقابل 23 مليون دولار، لحظتها امتدحه المدرب البرتغالي فيلاش بواش بقوة، بيد أن قدوم الأرجنتيني بوكيتينو دفعت صائد الأسماك إلى توديع نهر التايمز صيف 2015، صادما الجميع بانتقاله إلى جوانزو الصيني مبررا ذلك بقوله: "توتري منعني من مغادرة الشقة لأنني لا ألعب".
على أرض التنين ولد باولينيو مجددا، فانتقاله إلى بلد المليار نسمة مكّنه من تسجيل 74 هدفا وحصد ثمانية ألقاب، والأهم أن ذوي الأعين الضيقة يرونه الصفقة الأفضل في تاريخ البلاد، وبفضل ذلك استرد لاعب الوسط مكانته في المنتخب. في صيف 2017 على هامش مباراة ودية بين الأرجنتين والبرازيل، جرت دردشة بينيه وبين وميسي الذي أقنع برشلونة بالتعاقد معه مقابل 46 مليون دولار، وبعد أن كسب الدوري الإسباني عاد مسرعا بطريقة غامضة إلى فريقه الصيني القديم، في صفقة ألمحت لها وسائل إعلام دولية بأن رائحة غسيل أموال تفوح منها بشدة.
منذ أواخر 2020 وانحدار سهم الجائحة، قضى صاحب الـ33 عاما أوقاتا ممتعة مع زوجته باربرا، وابنته الكبرى بيازينها وولده الصغير بن، متابعا الأخبار من خلال جواله، مرة يدعم النشطاء المناهضين لتلوث المياه، ومرة يستمع إلى موسيقى الباغود للمطرب ثياجينيو، ففي كل مرة يفكر في المستقبل ينظر صوب ملعب كامب نو، حيث غازل مشجعي برشلونة مفصحا عن مشاعره في حوار مع "موندو ديبورتيفو" بقوله: "المال لن يكون عائقا مطلقا". لكن رئيس النادي خوان لابورتا لم يلتفت له بسبب ديون متراكمة قدرها 400 مليون يورو.
لا ينكر أحد قدراته الرائعة، فبالنسبة إليه تبدأ التمريرة بكسر خط الدفاع، والكرة العرضية تصل مباشرة إلى أقدام المهاجمين، أما تسديدته تنتهي حتما داخل الشباك، خاصة وأنه زامل لاعبين أفذاذ في 3 قارات حول الكرة الأرضية، متعلّما من مسيرته الطويلة أن كل مباراة تحدي جديد لا مفرّ منه. ولكن بعد استمرار مسلسل الهروب هل تنتهي مسيرة باولينيو مثل روبرتو كارلوس وجوناثاس جيسوس اللذين انتهى بهما اللعب مع فريق أوديشا الهندي؟.