ليشنوفسكي.. مدافع ثائر.. وحفيد الحرب العالمية
يقذف بجسده نحو السماء، وينزلق بقوة فوق العشب الأخضر، في سبيل افتكاك الكرة مهما بلغ الألم، ويتصف بشخصية دفاعية رصينة تستمد قوتها من ثبات المكسيكي ماركيز وشجاعة الإسباني بويول، كما يحب البقاء في الخلف بمركز اللاعب القشاش، وتبدو مشكلته الوحيدة كيفية نطق اسمه من المرة الأولى.
ولد إيجور ليشنوفسكي، في 7 مارس 1994، وسط بلدة بينافلور جنوب سانتياجيو عاصمة تشيلي، حيث بيئة الريف النقية بلا أدخنة مصانع وعوادم سيارات، محاطة بحدائق وحمامات سباحة أجملها منتزه «جودي أبوت» الخلاب، فيما تشتهر المنطقة بمحاصيل كروم العنب، والتي تشحن موسمياً إلى مصنع ترابّيشي الأرجنتيني المتخصص بصناعة النبيذ.
هرب أجداد ليشنوفسكي من جحيم أدولف هتلر في النمسا، خلال الحرب العالمية الثانية، إذ يعتبر جده من أصل تشيكوسلوفاكي بينما جدته ألمانية الهوية، فيما رزق الزوجان بأول مولود قبل أشهر قليلة من تحول العاصمة فيينا إلى حطام بسبب الحصار، ورغم ذلك نجحا بإخفاء ابنهما الصغير داخل صندوق أحذية بعيداً عن دوي القنابل ورائحة الموت.
على بعد آلاف الكيلو مترات من أوروبا، تحديداً تشيلي الشهيرة بلقب «لاروخا»، روى الابن إيجور قصة والده في مقابلة مع شبكة «ميديوتيمبو» قائلاً: "كان والدي يبلغ من العمر عاماً تقريباً، وخلال الحرب، لم يكن بإمكانك الذهاب إلى المستشفى، لا يمكنك الذهاب لأي مكان ولا توجد لديك فرصة للنجاة من ذلك، لكن أمي أخبرتني، أن جدي أخفى والدي في صندوق أحذية".
سخر الأطفال منه بمناداته «إلبولي» بسبب تكوينه العرقي، فلون بشرته بيضاء لا حنطية على غرار الشعوب اللاتينية، أما اجتماعياً فقد عاش فقيراً بعد وفاة والده قبيل عيد ميلاده العاشر، ما دفع والدته إلى فتح متجر لبيع الملابس بحثاً عن لقمة العيش، ويتذكر ليشنوفسكي طفولته بقوله: "نشأت في منزل دون نوافذ ودون سقف بعد احتيال المقاول على أمي، وأتذكر عندما هطل المطر صعد أخي على السطح لوضع البلاطة فوقي حتى لا أتبلل بالماء".
رأى الموت في سن الخامسة، بعد تأخر المستشفى في علاج الزائدة الدودية أكثر من 48 ساعة، ولا ينسى الأوقات الضائعة في الشارع عندما بلغ التاسعة، حتى التحق بأكاديمية يونيفرسيداد عام 2002، هناك وثق بقدراته المدرب الأرجنتيني سامباولي، لاحقاً اشترى عقده بورتو البرتغالي مقابل مليوني يورو، ومنه إلى خيخون الإسباني حيث واجه ميسي ورفاقه أول مرة في شتاء 2016، كما لعب مع كروز أزول المكسيكي، وقبل أيام تعاقد معه الشباب السعودي.
يقترب طول ليشنوفسكي من 1.90 متراً، فيما قارنت صحيفة «ماركا» الإسبانية بينه وبين مدافع برشلونة بيكيه، مؤكدة أنه كان بوسعه اللعب في أندية أوروبية مرموقة مثل تشيلسي وإنتر ميلان وباير ليفركوزن، بينما يبدو اهتمام صاحب الـ26 عاماً منصباً تجاه عائلته أولاً، إذ ينشر دائماً في إنستجرام صور ابنتيه ترينيداد وإيزابيلا، بينما عبّرت زوجته الشقراء كارولينا بمشاعرها قائلة: "أريد أن أعيش طوال الوقت بين ذراعيك، وأمشي حول العالم حافية القدمين".
انضم ليشنوفسكي إلى الاحتجاجات الشعبية التشيلية، ضد الرئيس سبيستيان بينيرا، حيث خرج المتظاهرون مطلع مارس الماضي إثر رفع سعر تذكرة قطارات الأنفاق وسط مطالبات برفع الأجور 625 دولاراً على الأقل، وريثما صبّ إيجور جام غضبه على تواضع المعيشة وانعدام المساواة، سأله الصحافي كارلوس جونزاليس لوكاي عن أسباب مشاركته السياسية، فأجاب المدافع منتقداً: الحكومة تريد مواطنين جهلة!.