عبدالله عسيري.. البحر صقل موهبته.. واليتم صنعه رجلا
شاطئان بحريان في مدينة جدة، الأول في الشمال حيث يناديه الجداويون باسم «كورنيش أبحر»، والثاني في الجنوب ويطلق عليه الناس «الكورنيش الجنوبي»، وهو على مقربة من حي الخمرة وسوق الصواريخ الشعبي ومصفاة أرامكو النفطية، والأهم من ذلك قاعدة الملك فيصل بن عبدالعزيز البحرية.
في تلك القاعدة العسكرية، المطلة على البحر الأحمر، نشأ عبدالله عسيري في إحدى المنازل الصغيرة المجهزة للعسكريين أفرادا وضباطا، والذين يعملون في خدمة الأسطول الغربي من صيانة وتموين وتسليح السفن العملاقة والزوارق الصغيرة، استعدادا لمجابهة الأخطار البحرية القادمة من اليمن والصومال وإريتريا وجيبوتي.
لم تكن رغبة عبدالله عسيري في الحياة بين أدخنة «أرامكو» وصيحات جنود «البحرية» أمرا اختيارا، بل جاءت اضطرارية بعد وفاة والده. إذ طلب شقيقه الأكبر إبراهيم منه ومن أشقائه الآخرين محمد وعلي وعبدالرحمن، العيش معه في سكن القاعدة، باعتبار أنها توفر مدارس تعليمية وأندية رياضية ومرافق صحية على طراز أميركي حديث.
كان أصدقاء عبدالله عسيري في الحارة ينادونه بلقب «عبودي»، أولئك الصبية استمتعوا بلعب كرة القدم في الملاعب الترابية بكافة شوارع القاعدة، وأيضا فوق العشب الأخضر ناحية «النصب التذكاري» المطل على البحر الأحمر. وفي أحد الأيام طلب منهم أحد الجنود البحريين الانضمام إلى فريقهم وخوض مباريات أكثر حماسة على ملعب القاعدة الرسمي.
نتج عن اندماج اللاعبين الشباب بالعسكر، فريق كروي رهيب، كان عبدالله عسيري اللاعب الأصغر في الفريق الذي تم تسميته بالرشيد البحري، تيمّنا بفريق الرشيد العراقي نظرا لقوته في الثمانينات الميلادية، بيد أن المشجعين أطلقوا عليه لقب «فريق الأخوة»، بسبب تواجد أكثر من أخ بالفريق، ومن بينهم عبدالله عسيري وشقيقه عبدالرحمن، أحمد العيسي وشقيقيه جبير ومطر، محمد حمزة وشقيقيه أحمد وعادل، بجانب محمد الفيفي وسعد يماني ومنصور الدوسري وعبدربه الجحدلي، وقائدهم دخيل الله الشلالي.
دخل «الرشيد البحري» في تحديات كبيرة، أكبرها بطولة الخطوط السعودية عام 1989، كان ينافسهم على اللقب فريق آخر يضمّ نجوم الأهلي والاتحاد والهلال. وحينما وصلوا إلى النهائي واجهوا أمامهم خالد مسعد ويحيى عامر ومازن بصاص ومروان بصاص وعاتق المالكي وحسين المسيليم. لكن تلك الكتيبة المدججة بالنجوم خسرت بركلات الترجيح أمام منافسهم المغمور ضمن مفاجأة كبيرة.
في العام الذي يليه، وأثناء دراسة عبدالله عسيري التربية البدنية في جامعة أم القرى بمكة، اتصل به أصدقائه في الفريق طالبين منه التواجد بملعب الشرائع. وقتها استفسر قائلا: ما السبب؟. ردوا عليه: سنلعب أمام الوحدة. آنذاك كان الفريق الأحمر يضمّ نجوما رائعين على غرار حاتم خيمي وعبدالله خوقير وبدر هوساوي والحسن السيد. يومها تمكن الصغير عسيري وزملائه من هزيمة الفريق المكي بثلاثة أهداف مقابل هدفين. ما دفع الوحداويون إلى التعاقد معه نظرا لموهبته اللافتة.
انتهى مشوار عبدالله عسيري مع الوحدة بسبب حادث مروري في طريق جدة – مكة السريع، إذ أصيب في رقبته بينما توفي صديقه «أبو قنوة» على الفور. ورغم ذلك يقول أصدقائه في الفريق عنه، إنه امتاز بصناعة الألعاب، وكان لاعبا «ماكرا» و «مخادعا» في إرسال الكرات الساقطة خلف المدافعين وتمرير اللعبات الساحرة، فيما قارنه آخرون موهبته بالفرنسي زيدان والإماراتي عموري.
عبدالله عسيري البالغ 43 عاما، يُعرف بطباعه الهادئة وسلوكياته الراقية، بعد تخرجه رحل إلى بريدة مدرسا، ثم رفض العودة إلى جدة بسبب ارتياحه هناك. كما نال أكثر من رخصة تدريب آسيوية جعلته مدربا لمنتخب جامعة القصيم. وفي 2018 عُيّن مساعدا لمدرب التعاون بيدرو إيمانويل. فيما أطلق أول تصريحاته مطلع 2020 بعد تعيينه مدربا لفرقة «الذئاب»: "سأهزم النصر وسنعود إلى القصيم بكأس السوبر".