جويل.. رجل قال للنصراويين: لا تهزموا الهلال..!!
أهم ما يفعله أي مدرب في العالم، هو معرفة العلة التي يعاني منها فريق أصبح قراره الفني بين يديه.. المدرب الجديد أحيانًا يبدو مثل طبيب لجأ إليه مريض يائس يبحث عن علاج يخفف آلامه وأوجاعه.. قبل كل شيء وحتى يكون الدواء مفيدًا، لابد أن يشخص الحالة تشخيصًا دقيقًا وصحيحًا.. إذا أخفق الطبيب في مرحلة التشخيص فلن يتذوق المريض الغلبان طعم العافية.. لن يصل إلى النتائج الصحية المرجوة.. ربما تتدهور أحوال المريض ويذهب إلى المجهول الأسود.. إذا شُخصت الحالة بوضوح، ومعرفة ويقين، وداوم على الخطة العلاجية فالطبيعي أن يستعيد قواه ويرجع مثل الحصان كما يقول المصريون.. وبهذه الصورة المبسطة والتقليدية تتقاطع أدوار الأطباء والمدربين الكرويين عند نقطة التشخيص.. وليس بين خبايا ذاكرتي اسم تدريبي استند على تشخيص الواقع، وتحديد المشكلة وملامسة مصادر الأزمة، كما فعل البرازيلي جويل سانتانا مع النصراويين في نهايات الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي.. كان النصر حينها متعطشًا إلى الفوز بلقب الدوري الغائب عن خزائنه منذ قرابة السنوات التسع.. تسع عجاف ما غاب فيها عن المنافسة، ولا عن انتزاع لقب كأس الملك، لكن البطولة الممتدة لعام رياضي كامل والمتمثلة في الحصول على الدوري هي التي كانت تضني تفكير رجل النصر الكبير عبد الرحمن بن سعود.. كانت مرحلة مضطربة بالتقاطعات والتغيرات وتبدل القناعات.. تخلى فيها النصر عن فكرة التمسك بالمدربين القادمين من بلاد السامبا.. لعامين مترادفين ترك البرازيلي باولو سيزار كاربيجاني مرمى النصر مشرعًا للخصوم.. كان النصر إذا سجل خمسة أهداف فربما حينها تكون شباكه قد اهتزت ثلاث مرات.. كان مدربًا هجوميًا يفتح ممرات الملعب مقابل الاندفاع الهجومي طوال المباراة.. ذات المنطق الذي كان يراهن عليه البرتغالي الأخير لويس كاسترو.. كثيرًا ما ردد خلال المؤتمرات بأنه قادر على تسجيل الأهداف الكثيرة، ولا يضيره أن يستقبل بضعة أهداف أخرى.. قبل وصول جويل إلى مراتع الأصفر السعودي العملاق، كان يخوض تجربة جديرة بالاحترام والتقدير مع أصفر آخر في الإمارات، متوليًا زمام الأمور داخل الوصل صاحب الشعبية الجماهيرية الجارفة في دبي، فبدأ معه منذ العام 1983 وحقق برفقته الدوري الإماراتي ثلاث مرات في غضون سنوات ست.. هذه الصورة التقطها بشيء من التفاؤل الدكتور جمال الشرقاوي.. كان رجلًا متعلمًا وأكاديميًا وكرويًا، ويحظى بثقة مطلقة عند رمز النصر ورجل تاريخه الأول.. كان الشرقاوي نصراويًا بعقلية تقدمية، ولاعبًا أساسيًا في مجالسة عبد الرحمن بن سعود ضمن جوقة شخصيات فكرية وثقافية واجتماعية تشكل تركيبة سهرات شبه يومية يكون النصر هو محورها وعنوانها العريض وأنيس حكاياتها المتفردة.. طرح الشرقاوي وجه البرازيلي جويل سانتانا على الأمير عبد الرحمن بن سعود الذي بالطبع كان رجل كل القرارات المصيرية والعادية في كل شيء يخص النصر.. استند الدكتور جمال على عدة عوامل تجعل من سانتانا شخصية مناسبة يمكنها المساهمة بقوة في العودة المنتظرة إلى زعامة الدوري.. أهمها وأولها هو حصوله مع الوصل على الدوري الإماراتي.. حين قال له أبو خالد إن الدوري السعودي أقوى وأشرس من نظيره الإماراتي فلا يمكن القياس على تجربته هناك، دافع الشرقاوي عن رأيه بأنه مدرب استطاع الفوز بالدوري ثلاث مرات، ما يعني امتلاكه للأدوات التي تجعل منه مدربًا يحوي مواصفات النفس الطويل.. كذلك عرّج الدكتور جمال على إخفاق المدربين الأوروبيين في تجربتهم النصراوية في الحصول على الدوري.. الفرنسي هيربان الملقب بجبل الجليد فاز بكأس الملك عام 1986 في نهائي سجل فيه يوسف خميس هدف البطولة، لكنه لم يستطع الاقتراب من المركز الأول في الدوري فرحل.. في العام التالي تعاقد النصر مع الإيرلندي بيلي بينجهام، وحينما خسر الدوري تحدث للصحافة عن السبب وقال: «فقدنا هدافنا الأول ماجد عبد الله بسبب الإصابة، وقبل إصابته سجل 23 هدفًا في 21 مباراة فقط، وحينما فقدت لاعبًا بهذه القيمة والمواصفات من الطبيعي أن أخسر الدوري».. وحصل النصر في ذات العام أيضًا على كأس الملك مع بينجهام بهدف سابح فوق الغيوم من رأسية ماجدية لا تُنسى.. وبعد المباراة قال بينجهام:« اللاعب الذي سجل هدف المباراة يستحق الاحتراف في إنجلترا بمليون جنيه إسترليني.. ماجد عبد الله الأفضل في العالم كله بمهارة الضربات الرأسية».. الفشل الأوروبي في الحصول على الدوري السعودي مع النصر جعل من موقف جمال الشرقاوي بالتعاقد مع جويل سانتانا قويًا ومتصلبًا.. وافق عبد الرحمن بن سعود وتمت الصفقة بدعم مباشر من عضو الشرف الأمير حسام بن سعود، الذي تكفل بكل الأمور المالية، حيث كان هذا المدرب يتسلم 10 آلاف دولار راتبًا شهريًا بخلاف مقدم العقد.. وصل جويل في منتصف موسم 1988.. بالطبع قبل وصوله اجتمع بوفد نصراوي كان على رأسه الدكتور جمال الشرقاوي الذي قال له وبكل صراحة ووضوح نريد منك الفوز بالدوري.. تسلم سانتانا المهمة لكنه اشترط أن يكون موسم 1989 هو الرهان الحقيقي للبحث عن المستحيل.. درس سانتانا النصر ومسيرته في السنوات الأخيرة.. وفي أول تدريب قبل بداية الموسم الجديد قال للاعبين خلال الاجتماع: «لقد تعودتم الفوز على الفرق الكبيرة مثل الهلال والأهلي والاتحاد حتى وأنتم لا تحققون لقب البطولة، لكنكم تتعثرون أمام أندية الوسط والمراكز المتأخرة وهذا هو السبب الرئيس في خسارتكم وعدم فوزكم بالدوري.. وأنا لا أريد منكم الفوز على الهلال إذا كنتم ستخسرون من أندية عادية.. فوزوا على كل الفرق الأخرى ولا يهمني إن تعثرتم أمام المنافسين الحقيقيين».. كسب جويل الرهان وأعاد للنصر الدوري الغائب وأعاد المدرسة البرازيلية المعتمدة على المهارة والهجوم إلى مكانتها في قلوب النصراويين.. فيما بعد ذهب جويل لخوض تجارب مرتبكة مع الهلال والشباب والاتفاق ولم يترك أي ذكرى باسمة معهم.. هذه الفرق الثلاثة كانت تمني النفس أن يجدد جويل معها ما فعله مع النصر لكن الأيام لا تتوالد في كل الأزمنة.. دخل في صدام مع الصحافة الهلالية فسألوه بعد إحدى المواجهات لماذا أشركت السلومي وتركت خالد الدايل على دكة البدلاء..؟ فرد عليهم: «لقد سببتم لي الصداع.. المباراة الماضية استعنت بالدايل أساسيًا، فسألتموني نفس السؤال.. لماذا لم يلعب السلومي أساسيًا؟».. لم يعرف جويل علة الهلال والشباب والاتفاق ففشل ولم يجد الدواء ولم يعرف العلاج.. عرف جويل علة النصر وعالجها، وانتصر وكتب اسمه في التاريخ العريض.. وكل مدرب تراه عيناك ناجحًا ومميزًا ومبدعًا، فتيقن أنه عرف العلة.. كما فعل سانتانا..!!