الابتسامة.. سلاح سيماكان ضد شبح الإصابات
لا يخسر الفرنسي محمد سيماكان ابتسامته أبدًا، مهما عاندته الظروف. عادة انطبع عليها وتأصلت فيه. وحتى الإصابة التي ضربته خلال مباراة النصر، فريقه، واستقلال طهران الإيراني، لم تمنعه من مشاركة زملائه الفرحة بصخبه المعتاد أمام الجماهير، كأنَّ وجعًا لا يزعجه، وبعدها غادر ملعب شباب الأهلي دبي يجر ساقه المثقلة بكدمتها.
«هذه الابتسامة لديَّ مُذ كنت طفلًا. إنها جزء مني. إنها طريقتي في شكر الحياة، والأشخاص من حولي الذين يمثلون أهمية بالنسبة لي. وهي كذلك وسيلة لإظهار أن الحياة تكون صعبة للغاية في بعض الأحيان، ولكنها يمكن أن تجلب لنا أيضًا أوقاتًا جيدة». بهذه البساطة شرح المدافع، وقتما كان يلعب للايبزيج الألماني، لماذا لا تفتأ هذه الابتسامة على ثغره.
تردّه الإصابات إلى بداياته، عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، حين برز نتوء عظمي مؤلم أسفل ركبته، شخّصه الأطباء بمرض «أوزغُود شلاتَر». كان وقتها يدرج مع مواهب نادي مرسيليا الفرنسي، الذي أبصر النور بالقرب منه. الألم حمله على ترك الكرة لمدة عام كامل، قضى أغلبه داخل منزل والدته الغينية جليسي مافوديا، في حي سان لوب.
في تلك الأثناء، وجد دعمًا من أخيه غير الشقيق إسماعيل بانجورا الذي كان وقتها يقاتل للحفاظ على فرصته مع فريق نانت الفرنسي. ذلك اللاعب الذي زرع في نفسه تطلعًا إلى احتراف الكرة، وبسببه دأب سيماكان على ملاحقة أمَّه، كما ذكرت بنفسها، مُلحًّا كما يفعل الأطفال: «لماذا هو يلعب كرة القدم وأنا لا؟».
شخص آخر كان حول اللاعب وقت مرضه، هو زكي نوبير، مدربه في مرسيليا منذ الثامنة، الذي يصف ما بينهما بـ «علاقة أب وابنه، أو أخ صغير وآخر أكبر». وتحت إشرافه، صال سيماكان وجال، وللمفاجأة ليس في الخط الخلفي، بل مهاجمًا، وسجّل 130 هدفًا، ومع ذلك زحزحه المدرب إلى الوراء بعدما توسّم فيه قدرات دفاعية يزكّيها تكوينه البنياني القوي، وطوله الفارع، وأيضًا «ساقاه الطويلتان القادرتان على استعادة الكرة» حسب تعبيره.
هزم سيماكان المرض، لكن معاناته مع الإصابات لم تنحسر، ففي تجربته مع ستراسبورج، الذي مثَّله بين 2017 و2021، تمزّق الرباط الصليبي لركبته اليمنى، 23 يوليو 2018، خلال مباراة تجريبية قبل بداية الموسم تحت أنظار والده، ولامين جيراسي، ابن عمه ومستشاره الشخصي، وكان المشهد بحسب الأخير «مروّعًا».
وما كاد يَبْرأ مُنهيًا غياب 8 أشهر حتى باغتته انتكاسة جديدة، أنهت موسمه، بعد عودته بـ 36 يومًا فقط، ومع ذلك تجاوز محنته متسلحًا بإصراره الذي نوّه إليه موقع «جول» الإلكتروني العالمي في افتتاحية حوار أجراه معه قبل 3 أعوام.
وبفضل هذه الصفة، طوى الصفحة وعاد مع تحضيرات الموسم الجديد، وإذ بـ «تييري لوري»، مدرب ستراسبورج، يقرِّر تحويله ظهيرًا أيمن، ويشركه في هذا المركز أمام مكابي حيفا الإسرائيلي، 1 أغسطس 2019، ضمن التصفيات المؤهلة إلى بطولة الدوري الأوروبي، وقدَّم اللاعب أداءً مقنعًا على الرغم من خسارة فريقه 1ـ2.
في تلك المباراة تابعه بانجورا، ومازحه بسبب مركزه الجديد، وناداه بـ «ليليان تورام» مُشبهًا أخاه باللاعب الفرنسي الأسطوري الذي تنقّل بين خانتي الظهير الأيمن وقلب الدفاع خلال مسيرته.
صداع الركبة داهمه للمرة الثالثة، يناير 2021، وألزمه بجراحة في المفصل أبعدته قرابة 6 أشهر، وبعدها انتقل مباشرة للايبزيج، ومنه إلى النصر، ولم يعد شبح الإصابات المفزعة، طويلة الأمد، يطرق بابه مجددًا، وإنما انزعاجات بسيطة تغيّبه أيامًا لا يتجاوز عددها أصابع اليدين.
ولصموده النفسي أمام الإصابات سرّ، يكشفه بنفسه قائلًا: «المعاناة شيء جيد. بالطبع الأمر مؤلم في البداية، هذا منطقي. ولكن إذا استخلصت العبر، فستتم مكافأتك دائمًا. اليوم يمكنك أن تعاني وتعيش أسوأ لحظة في حياتك، لكن إذا قبلت المعاناة سيعود النور. كنت أقول لنفسي دائمًا: أعاني في الظل حتى أصل إلى النور.. هذه حكمة راسخة في ذهني».