ليس العلماء فقط من يكتشفون، جميعنا نكتشف، الفارق بين الناس العاديين والعلماء أن العلماء يجرون اختباراتهم في المختبرات والمعامل، ونجري نحن العاديين اختباراتنا في الحياة، ومع أن ما نكتشفه موجود في الكتب وعلى لسان الأكبر سنًا، إلا أن نفس الإنسان تهوى دفع الأثمان الباهظة، مدفوعة بفورة الشباب وغروره. تكتشف بعد التجارب أن الصحة أهم ما في الحياة، وأن الرضا حكمة، وأن اليوم الذي يمر عاديًا ليس بعادي، بل يوم مليء بالسلام وأن الله حفظك فيه. آخر اكتشافاتي التي اكتشفها الجميع قبلي كالعادة، أن الجوال الذي في خدمتنا قد يصبح في خدمة غيرنا علينا إذا لم ننتبه ولم نحذر، هو لا يسرق أوقاتنا فقط، بل يفقدنا تركيزنا لكثرة التطبيقات التي فيه. أشعر بأن كمية ما أقرأه وأشاهده وأسمعه من أخبار وتغريدات و«بوستات» كثير على عقلي البسيط، أشعر أنها تشتتني وأنا «ماني ناقص» تشتت، قبل أيام بقيت أبحث على مفتاح سيارتي في مطعم «الفطائر» دون جدوى، سألت العاملين وبحثت في المسافة بين موقف السيارة والمطعم، ثم وقفت بجانب السيارة حائرًا، صوت قال لي جرب فتح باب السيارة، وعندما ضغطت على مقبض الباب انفتح سريعًا، اكتشفت أن المفتاح في مكانه ومحرك السيارة ما زال يعمل، لأني لم أطفئه عندما نزلت باتجاه المطعم. عاتبت نفسي على كل ما ألقيته في عقلي من مشتتات، وعاهدت عقلي أن أنتقي ما أقرأه وأشاهده، وألّا أكون قارئًا ومشاهدًا عشوائيًا، لكني أخلفت العهد، وبررت أن المتابعة الدائمة للسوشال ميديا واليوتيوب تسبب إدمانًا، وأحتاج مدة تشافي للتخلص من حالة «السوشلاوي الميدياوي» التي أمر فيها. تأملت يومي ووجدت أن وقتي مسروق، لكنها سرقة أنفذها بنفسي على نفسي. في اليوتيوب إذا شاهدت مقطعًا قصيرًا لكرة القدم فإن معظم الفيديوهات التي ستظهر لك عن كرة القدم، وإذا شاهدت مقطعًا عن الطيور فالمقاطع التالية عن الطيور، لتبقى تشاهد وتشاهد، واليوتيوب هنا لا يقدم لك خدمة، بل يقدم لك ما ظن أنه يستهويك، وما سيبقيك دون وعي منك بالوقت، هو يريد وقتك ليمرر عليك إعلاناته، ويحولك إلى رقمٍ من أرقام مشاهداته. في فيديوهات الإنستجرام وتويتر الأمر نفسه، وكذلك على نيتفليكس.