|


الرئيسية / انفوجرافيك

إنييستا.. الفتى الخجول يطوي مسيرة 23 عاما

زيوريخ ـ الألمانية 2024.10.08 | 10:46 pm
احتفى الاتحاد الدولي لكرة القدم بأندريس إنييستا، أسطورة المنتخب الإسباني ونادي برشلونة، الذي أعلن اعتزال اللعبة الثلاثاء، في حفل نظم بالعاصمة الكاتالونية، بعد مسيرة ملهمة توج فيها بـ 38 لقبًا في كل البطولات مع المنتخب وبرشلونة، وبات يعرف بأحد أعظم لاعبي خط الوسط في تاريخ المستديرة.
وأمضى إنييستا 16 عامًا بالفريق الأول لبرشلونة، قبل أن ينتقل إلى فيسيل كوبي الياباني في 2018، وساعده في التتويج بأول ألقابه وهو كأس الإمبراطور في 2019، ثم بكأسي السوبر والدوري، قبل أن ينتقل إلى الإمارات الإماراتي الموسم الماضي.
إنييستا «40 عامًا»، والملقب بـ «الرسام» قال في حفل اعتزاله: «لم أتوقع أبدًا أن يأتي هذا اليوم، لم أكن لأتخيله على الإطلاق.. لكن كل دموع الأيام القليلة الماضية كانت دموع العاطفة والفخر، وليست دموع الحزن. إنها دموع هذا الصبي الذي كان لديه حلم بأن يصبح لاعب كرة قدم وحقق ذلك بعد الكثير من العمل الجاد والجهد والتضحية».
وتحدث الموقع الرسمي لـ «فيفا» عن بدايات إنييستا، الذي رحل عن فوينتيالبيلا بإقليم ألباسيتي في سن 12 عامًا وانتقل إلى برشلونة، حيث لم تستقر الأمور بالنسبة له في لا ماسيا، إذ كان خجولًا بالفطرة، لدرجة أن وجهه يبدو شاحبًا طوال الوقت. وعن تلك الفترة في حياته قال: «كنت أبكي حتى أنام كل ليلة، أردت العودة إلى المنزل، لكن والدي استمر في دعمي، وأقنعني بالبقاء».
وعلق إنييستا ملصقات لممثلة هوليوود كاثرين زيتا جون، وبيب جوارديولا، قائد برشلونة، بجانب سريره. وعندما شاهده الأخير يلعب، بناء على طلب من شقيقه بيري، قال: «لقد رأيت مراهقًا يبلغ من العمر 14 عامًا يقرأ اللعبة أفضل مني»، وأرسل بيب إلى إنييستا صورة موقعة، مكتوب عليها: إلى «أفضل لاعب رأيته في حياتي». في تلك اللحظة، الطفل الموهوب بدأ يخرج من قوقعته، ويتفاعل أكثر مع زملائه.
وبشكل مفاجئ استدعيّ إنييستا للتدريب مع الفريق الأول لبرشلونة في فبراير 2001، لقد أصيب بالذعر عندما ضل طريقه إلى مقر التدريبات، ولكن لويس إنريكي تولى مهمة البحث على اللاعب البالغ من العمر آنذاك 16 عامًا، وبمجرد أن لمست أقدامه أرض الملعب تحدث جوارديولا إلى تشافي هيرنانديز الذي كان في سن الـ 21 عامًا، وقال له: «تذكر هذا اليوم، اليوم الذي لعبت فيه للمرة الأولى مع أندريس، أنت ستجعلني أعتزل، وهذا الفتى سوف يجعلنا نعتزل جميعًا».
وتألق إنييستا، إلى جانب فيرناندو توريس، في كأس العالم تحت 17 عامًا في 2001، وعلى الرغم من الخسارة 2ـ4 أمام الأرجنتين الذي كان يضم بابلو زاباليتا، وخافيير ماسكيرانو وكارلوس تيفيز، والخروج من دور المجموعات، عاد الرسام إنييستا ليصبح من بين الأبرز في مونديال تحت 20 عامًا بعد ذلك بعامين، حيث ساعد لاروخا على الظفر بالوصافة خلف البرازيل.
حاول ريال مدريد التعاقد مع إنييستا في 2007، وقال بريدراج مياتوفيتش مديره الرياضي السابق: «لقد كان ظاهرة، وامتلك شرطًا جزائيًا مرتفعًا للغاية، لكننا أردناه بشدة، وعقدنا العزم على دفع الشرط الجزائي».
ولحسن الحظ بالنسبة لبرشلونة، وافق إنييستا في نهاية المطاف على تجديد عقده عام 2008، مع رفع الشرط الجزائي الخاص به من 60 مليون يورو، إلى 150 مليونًا. لكن ذلك لم يوقف الريال، الذي كرر المحاولة، ليرد إنييستا: «أنا مندهش جدًا من هذه المحاولات، لأنني كنت دائمًا واضحًا للغاية، أريد أن أقضي بقية مسيرتي في برشلونة».
لعب إنييستا دورًا محوريًا في فوز إسبانيا بأول لقب لها في كأس الأمم الأوروبية منذ 44 عامًا في 2008، وكان الوحيد في تشكيلة المدرب لويس أراجونيس الذي شارك أساسيًا في كل المباريات، وحصد جائزة رجل المباراة في مواجهة روسيا بنصف النهائي، وقدم أداءً كبيرًا في النهائي، حيث فازت لاروخا على ألمانيا في ملعب إرنست هابل في فيينا.
وفي الوقت الذي كانت فيه مساهمة إنييستا هامشية في فوز برشلونة بدوري أبطال أوروبا 2005ـ2006، فإن مساهمته في تحقيق السداسية التاريخية بعد ثلاثة مواسم كانت أكثر وضوحًا، إذ أن تسديدته الساحرة من خارج منطقة الجزاء في الوقت المحتسب بدل الضائع منحتهم فوزًا تاريخيًا على تشيلسي في الدور نصف النهائي.
«أنا لست مهووسًا بميسي» هذا ما قاله أليكس فيرجسون، مدرب مانشستر يونايتد، قبل المباراة النهائية، مضيفًا: «إنييستا هو الشخص الذي يجب أن نوقفه». لسوء الحظ بالنسبة للأسكتلندي، لم يتمكن فريقه من ذلك، حيث صنع الهدف الأول لصامويل إيتو، وتألق خلال الفوز 2ـ0 في نهائي روما الشهير.
الموت المفاجئ لداني خاركي، صديقه المقرب وزميله السابق في منتخب الشباب، في أغسطس 2009، كسر قلب إنييستا، وعبر عن تلك الفترة: «لقد وقعت في اكتئاب عميق، كنت في أسوأ حال لي حقًا».
وتفاقمت مشاكل إنييستا داخل الملعب، وعانى من الإصابات طوال الموسم، وتعرض لتمزق كامل في العضلة ذات الرأسين لفخذه الأيمن في منتصف أبريل، وغادر الملعب وهو يبكي، حيث عدّ كل من فيسنتي ديل بوسكي، وبيب جوارديولا، أنه من غير المرجح سفره مع المنتخب إلى مونديال جنوب إفريقيا.
ولكن إنييستا تعافى سريعًا، إلا أنه لم يتمكن من اللعب مع برشلونة سوى نصف ساعة قبل انتهاء الموسم، الذي سجل فيه هدفًا واحدًا فقط في 40 مباراة، وعلى الرغم من ذلك ضمه ديل بوسكي إلى المنتخب، معترفًا بأن قراره كان بمثابة «مخاطرة كبيرة» وأنه لم يقبلها إلا لأنه إنييستا، واعترف اللاعب لاحقًا بالسفر إلى كأس العالم وهو ليس في كامل استعداده.
كانت إسبانيا المرشح الأوفر حظًا قبل البطولة، ولكن الشك تسرب سريعًا، بعد الهزيمة بهدف أمام سويسرا، واكتمل الشك بعدما سقط إنييستا فوق عشب ملعب موزيس مابيدا وهو يتألم، بعد اصطدام قوي مع ستيفان ليختشتاينر.
وقال إنييستا: «أعتقدت أن كل شيء انتهى، ولم أرغب في إجراء أي فحوصات في اليوم التالي، لأنني كنت متأكدًا من صعودي على متن الطائرة العائدة إلى برشلونة».
وغاب اللاعب عن الفوز بهدفين دون رد على هندوراس، وكان متصالحًا مع كون البطولة قد انتهت بالنسبة له، حتى منح اختصاصي العلاج الطبيعي راؤول مارتينيز إسبانيا هدية في رحلتها نحو المجد العالمي.
وأوضح مارتينيز: «في مرحلة ما كنت أحاول علاج مكان الإصابة، وبينما كنت أفعل ذلك، شعر بالتحسن»، فيما قال إنييستا: «لقد كان الأمر أشبه بالضغط على الزر، وجسدي منح الاستجابة الفورية، إذ شعرت أن العضلات قد ارتاحت، ثم تحركت وركضت بحرية، وهو ما لم أفعله منذ فترة طويلة، وبفضله عدت للعب كما حلمت».
واحتاجت إسبانيا للفوز على تشيلي في مباراتها الأخيرة بالمجموعة الثامنة، من أجل العبور للأدوار الإقصائية. هنا حصل إنييستا على الثقة، ثم أبدع بحركات «التيكي تاكا» في طريق لاروخا إلى النهائي على ملعب سوكر سيتي.
لقد مرت 116 دقيقة دون أهداف من المباراة النهائية، إنييستا صانع ألعاب يميل إلى اليسار، ولكنه ظهر بشكل غير معهود في الناحية اليمنى، وفي مكان عادة ما يشغله المهاجم، عن تلك اللحظة قال تشافي ضاحكًا: «لقد تساءلت: ماذا يفعل هنا؟».
وأوضح إنييستا: «كنت أعرف بالتحديد كيف يجب علي التسديد، وفي الوقت نفسه، كنت أعلم أنه يجب علي فعل ذلك بسرعة.. القدر جعل تلك الكرة تذهب إلى حيث يجب أن تذهب، وكان هذا هو الهدف الذي توج إسبانيا بطلة للعالم».
لم يكن إنييستا يخطط لتكريم صديقه الراحل، الذي توفي قبل أشهر من المونديال. وقال: «عندما نزلت للإحماء قبل المباراة النهائية، خطرت في ذهني الفكرة، لقد طلبت من أحد أعضاء البعثة أن يكتب رسالة لداني على القميص، شعرت أنني أردت الثناء عليه، وتحيته».
عندما سكنت كرته الزاوية اليسرى السفلية للمرمى، خلع إنييستا قميصه، وأظهر قميصًا مكتوبًا عليه «داني خاركي معنا دائمًا»، وصرخ بشكل هستيري.
وقال أندريس بينما يمسح دموعه: «كانت تلك اللحظة سحرية، لقد كان شيئًا أردت حقًا أن أفعله من أجل داني وعائلته، وكانت الليلة المثالية لذلك، واللحظة الأفضل لتكريمه».
يمكن القول إن إنييستا كان في ذروة عطائه خلال بطولة أمم أوروبا 2012. وقد اختير رجل المباراة في ثلاث من أصل ست مباريات خاضتها أسبانيا، وتألق في الفوز الساحق على إيطاليا 4ـ0 في النهائي، وتوج بجائزة أفضل لاعب في البطولة.
بعد التألق في الكلاسيكو الذي انتهى بفوز برشلونة برباعية نظيفة على ريال مدريد في 2015، أصبح إنييستا ثالث لاعب يحظى بحفاوة بالغة من جماهير البرنابيو، بعد دييجو مارادونا، ورونالدينيو في عامي 1983 و2005 على التوالي.
غادر إنييستا كامب نو في 2018 بعد 22 عامًا، كأحد أعظم لاعبيه على الإطلاق. وإجمالًا فاز بـ 32 لقبًا، بما في ذلك أربع بطولات دوري أبطال أوروبا، وثلاثة ألقاب لكأس العالم للأندية. كما أنهى مشواره الدولي في العام نفسه بعد وضع اسمه ضمن أحد أنجح خطوط الوسط التي شهدتها كرة القدم على الإطلاق.
ويعد إنييستا هو الوحيد في التاريخ الذي حصد جائزة أفضل لاعب في المباراة النهائية لكل من كأس العالم، وكأس أمم أوروبا، ودوري أبطال أوروبا.