بتعليمات «عميل سري».. فان دي فين يهزم الكلمات القاسية
عندما كان طفلًا في بلدة فورمر، شمال هولندا، لاحظ ميكي فان دي فين أن والده يعود إلى المنزل في أوقاتٍ متأخرةٍ من الليل، وبواسطة سياراتٍ مختلفةٍ. تربَّى ميكي داخل أسرةٍ صغيرةٍ، يسودها الترابط بين الزوجين، الأب مارسيل والأم بيانكا، اللذين كانا يهتمان للغاية به وبشقيقته كايا، وشجَّعاه على لعب كرة القدم وهو ابن ستة أعوامٍ.
ولمَّا بدأ وعيُه يتشكَّل، عَرف الطفلُ الطبيعة الخطرة لعمل والده، التي سيستفيد منها لاحقًا في ملاعب كرة القدم الاحترافية.
كان مارسيل رجلَ شرطةٍ سريًّا «عميلٌ سري»، يعمل في وحدةٍ لمكافحة الجرائم الكبرى، تهدف إلى تطويق نشاط الجريمة المنظَّمة وعصاباتِها في هولندا، والقضاء عليها.
يقول ميكي في حوارٍ صحافي معه بعدما أصبح بالإحصاءات أحد أسرع اللاعبين في أوروبا والأسرع في الدوري الإنجليزي الممتاز: «كنت صغيرًا حقًّا، ولم أكن أعرف كل ما كان يفعله أبي، لأنه كان خطيرًا للغاية. كان يعود متأخرًا، وفي سياراتٍ مختلفةٍ، وكان يتكيَّف مع الضغط الهائل».
في بداياته مع الساحرة المستديرة، لعِب ميكي لأحد الفرق الصغيرة المغمورة، وعندما بلغ من العمر 12 عامًا، التحق بفريق فوليندام في فورمر، وأخذ يتدرَّج على سُلَّم الفئات السنية حتى تلقَّى الصدمة مع فريق تحت 17 عامًا.
استدعاه مدرب الفريق، وأبلغه أنه ليس جيدًا ولا سريعًا بما يكفي للعب كرة القدم، وأن مَن يشاركون أساسيين، على حسابه، أفضل منه. يستدعي مدافع توتنهام هوتسبير الإنجليزي ومنتخب هولندا الأول، ذلك الموقف، ويقول: «كان الوضع صعبًا بالنسبة لي. عندما يقول لك الناس إنهم لا يثقون بك، وأنت في عمر 17 عامًا، فربما يتعيَّن عليك البحث عن عملٍ، أو شيءٍ من هذا القبيل. يجب أن يكون لديك خيارٌ آخر إذا لم تتمكَّن من أن تصبح لاعبَ كرة قدمٍ محترفًا».
بسبب قسوة كلمات المدرب، فكَّر الشاب في تغييره مساره، وكان مثال والده حاضرًا أمامه. ترك مارسيل العمل الأمني، وأصبح مقدَّم برامجَ تلفزيونية، وحالفه النجاح فأصبح إعلاميًّا شهيرًا على مستوى هولندا.
استشار الابن أباه قبل تحديد خطوته المقبلة، فنصحه بمواصلة مشواره الكروي، والتمسُّك بحظوظه.
ينقل اللاعب كلمات والده: «قال لي لا. ثق بي. في يومٍ من الأيام، ستحصل على فرصتك، وعليك اغتنامها. لذلك واصلتُ بذل الجهد في فوليندام، وجاءت الفرصة، واغتنمتها».
في 2019، عاد فيم جونك، لاعب وسط منتخب هولندا السابق، إلى نادي فوليندام، محطة انطلاقه، لكن هذه المرة لتدريب الفريق الأول.
ولدى متابعته مباريات فريق تحت 19 عامًا، أثار فان دي فين إعجابَه، فأوصى بتصعيده إلى فريق تحت 21 عامًا، ومنحه أوَّلَ عقدٍ احترافيًّا في مسيرته.
بالفعل، صُعِّد المدافع الشاب، وبدأ تمثيل فريق تحت 21 عامًا، وبعد نحو ست مبارياتٍ فقط، استدعاه جونك إلى الفريق الأول، الذي كان ينافس على الصعود من الدرجة الأولى إلى الدوري الممتاز. على الفور، أصبح ميكي لاعبًا أساسيًّا مع الفريق، وبعد موسمَين اشترى نادي فولفسبورج، المنتمي إلى الدوري الألماني «بوندسليجا»، عقده مقابل نحو 3.15 مليون يورو.
كان تحرُّك فولفسبورج مثيرًا للانتباه، لأنه جاء إلى أحد أقوى خمسة دورياتٍ في العالم بمدافعٍ من الدرجة الهولندية الأولى، وليس الممتازة.
في الوقت ذاته، كانت النقلةُ هائلةً بالنسبة لميكي، فبعدما كان يُمثِّل فريقًا، يطمح إلى الترقِّي للدرجة الأعلى، أصبح جزءًا من مجموعة لاعبين، يحاولون التأهل إلى بطولات الأندية الأوروبية.
لكنَّ نصائح والده، المستقاة من خبراته العملية، ساعدته في تحمل الضغط. يوضح اللاعب: «بدا أن الأمر ساعدني حقًّا. كان ينصحني، ويقول خلال فترة الإحماء، قبل المباريات، استمتع بالناس من حولك، وبأجواء الملعب، وعليك تقبُّل ما يحدث حولك، لأنه ليس في إمكانك فعل شيءٍ حياله». وجَّههُ والدُه بأن يبقى «هادئًا وسط الفوضى»، وهو أسلوبٌ، تعلَّمه، ونفَّذه خلال فترة عملِه في مكافحة الجريمة المنظَّمة، تَقبَّل الفوضى إذا فُرِضَت عليك، وتكيَّف معها، وحاوِل الإنجاز وسطَها.
وخلال موسمه الأول مع فولفسبورج، لعِب فان دي فين خمس مبارياتٍ فقط، بينها ثلاثٌ بوصفه بديلًا، وغاب أكثر من شهرين بسبب إصابةٍ عضليةٍ بالغةٍ.
لكنَّه تحلَّى بالهدوء، وتشبَّث مُجدَّدًا بفرصته، نزولًا عند وصايا مارسيل.
وقبل بداية الموسم الثاني، تعاقد النادي مع المدرب الكرواتي نيكو كوفاتش، الذي اقتنع سريعًا بالهولندي، وبدأ به كافة مباريات الفريق حتى نهاية الموسم، ما عدا واحدةٍ بسبب تراكم البطاقات.
في دورِ اللاعب الأساسي، لفتَ ميكي الأنظار إلى سرعاته وانطلاقاته من الدفاع إلى الهجوم، فشرعت أندية إنجليزية في مراقبته، والاستفسار عنه، وتعاقد توتنهام هوتسبير معه، قبل بداية موسم 2023ـ2024، مقابل مبلغٍ كبيرٍ، يُقدَّر بـ 40 مليون يورو، ويرتفع إلى 50 حال تَحقُّق شروطٍ معيَّنةٍ.
ومع كلٍّ من فولفسبورج وتوتنهام، سجَّل فان دي فين سرعتين قياسيتين، بلغتا 35.9 و37.3 كيلومتر في الساعة، تصنعان المفارقة عند وضعهما إلى جوار ما قالَه مدرب ناشئي فوليندام عن بطء حركة اللاعب فارع الطول.
يتذكَّر المدافع الدولي الهولندي كلمات مدرب الناشئين، التي كادت تُبعِده عن الكرة، ويَذكرُ أنه كان يقول لنفسه ردًّا على الانتقاد: «لم يرَوني وأنا أركض بسرعةٍ».