أمام ليفانتي.. ميسي هزم رونالدو في أعماق بيرخفاين
بين حشد ناهز تعداده 72 ألف متفرج عبَّأوا مدرجات ملعب سبوتيفاي كامب نو، مساء 24 فبراير 2008، غاص الطفل الهولندي ستيفن بيرخفاين، ناشئ أياكس ذو الأعوام العشرة، في مقعده البلاستيكي، التذاذًا بما يقدّمه فريق برشلونة أمام ضيفه ليفانتي ضمن منافسات الجولة الـ 25 من الدوري الإسباني لكرة القدم.
حفل كاتالوني ساهر على شرف الضيف الوافد من مدينة فالنسيا، شهد خمس فقرات تهديفية متنوعة، بدأت ببصمتين للإسباني تشافي هيرنانديز والأرجنتيني ليونيل ميسي، وانتهت بثلاثية «هاتريك» للكاميروني صامويل إيتو. أمَّا الزوار فسجَّل لهم مهاجمهم الهولندي مصطفى ريجا هدفًا مباغتًا، محاولًا إحداث مفاجأة صيَّرتها الخماسية إلى هشيم ذرتْه رياح كامب نو الباردة في تلك الأمسية الشتوية.
بعد المباراة، غادر ستيفن مع والده يورخن، وأمه، وأخته، وشقيقه الملعب وقصدوا فندقًا استأجروا إحدى غرفه، للمبيت فيها، أثناء إقامتهم القصيرة في إسبانيا قبل العودة إلى وطنهم. وللمصادفة كان من ضمن النزلاء نجوم فريق برشلونة ومدربهم الهولندي فرانك ريكارد، المُنحدر بدوره من أصول سورينامية، على غرار العائلة الزائرة.
في أحد طوابق ذلك الفندق، توفّرت غرفة ترفيهية مزوَّدة بأجهزة الكمبيوتر، عَسْكر فيها ستيفن وشقيقه طوال الوقت للاستمتاع بالألعاب الإلكترونية. وللغرض ذاته زارها ميسي ورفاقه في تلك الليلة، مُهدين الصغيرين الهولنديين، بصدفة أخرى أشدّ وقعًا، ذكرى محبّبة انحفرت في ذهنيهما بالنقش الغائر الذي لا يمحوه زمن.
داخل الغرفة تحدَّث الطفلان مع نجوم برشلونة، وعرَّفا نفسيهما إلى ميسي، وتشاركا معه صورًا تذكارية تُلاحق حاليًا محركات البحث، تزامنًا مع نبأ انضمام ستيفن إلى فريق الاتحاد، قادمًا من أياكس، عملاق اللعبة في بلاده.
مثّلت مقابلة الناشئ الهولندي مع النجم الأسطوري مصدر تحفيز وإلهام دائمين له، والفضل يعود إلى يورخن، والده، صاحب فكرة الرحلة، الذي فعل كل شيء، وضحى بالكثير، كي يصنع من نجله لاعب كرة قدم محترفًا، على الرغم من كل العقبات التي كانت تعترض طريقه.
مُنذ وقت مبكر، فطِن الوالد إلى ضآلة حجم ابنه مقارنة بزملائه، وأدرك الصعوبات التي قد يواجهها للفوز بالصراعات الهوائية، لذلك كان ينفرد به طويلًا لتدريبه على استقبال الكرة الهابطة من علوٍ.. كان يقذفها لأعلى ويطلب منه ترويضها في كل مرة بطريقة مختلفة.
تعاظم دور يورخن في مسيرة ستيفن الكروية مع ترك الأخير نادي أياكس في سن الـ 13، منتقلًا إلى إيندهوفن، البعيد عن منزل العائلة، التي تقطن مدينة ألمير، بمسافة طويلة.
يوميًا كان يوقظه في الـ 5:30 صباحًا، يتناولان وجبة الإفطار سويًا، ويقتاده بالسيارة لنحو ساعة و45 دقيقة إلى مدينة إيندهوفن، معقل ناديه الجديد، لخوض حصة تدريبية تبدأ عند تمام الـ 9:00.
وعلى بُعد 200 ياردة من أرض الملعب، كان ينتظره داخل مرآب السيارات خلف مقعد القيادة، مُستسلمًا لسلطان النوم ريثما ينتهي التدريب، وبعده يُقبل الفتى، يطرق بقبضته الصغيرة على زجاج النافذة، يفيق والده، ويأخذه دون تأفُّف إلى مدرسته كي يتلقى تعليمه. فَعَلا ذلك معًا على مدى عامين.. عامين كاملين.
وحتى بقية أفراد عائلته لم يعدم دعمهم، كانوا يزحفون خلفه، مع بُعد المسافة، لمتابعته أثناء المباريات.
تحت أنظارهم خاض باكورة مبارياته مع الفريق الأول لإيندهوفن، 29 أكتوبر 2014، واحتفلوا معه يومها بمشاركته أمام ألمير سيتي، سفير مدينتهم، لتسع دقائق فقط صنع خلالها هدفًا لزميله جورجينيو فينالدوم، لاعب الوسط الحالي للاتفاق.
«قضاء ليلة كهذه، مع عائلتي، هناك، في مسقط رأسي، يجعلك حقًا تدرك مقدار الجهد والتضحية والعمل الجاد الذي يتطلبه الأمر لتصبح محترفًا. أنا هكذا بسببهم، أعرف ذلك».
ذلك الاعتراف من بيرخفاين، الذي لعب لتوتنهام هوتسبير الإنجليزي بخلاف إيندهوفن وأياكس، يترجمه عمليًا بطبع علم صغير لسورينام، بلد والديه الأصلي، على أحد وجهي حذائه، تكريمًا لهما. وعن ذلك يقول: «كلا والديّ وُلِد هناك، وثقافتهما السورينامية جزء أصيل من حياتي. لن أنسى ذلك أبدًا، وأينما ذهبت آمل أن يعلم الجميع من أين أتيت».
مع الاتحاد، ربَّما لن يستطيع الهولندي خوض كل مباراة بحضور جميع أفراد عائلته، وهذه لن تكون معضلته الوحيدة على الأرجح، ففي الملاعب السعودية، سيصطدم بالدون البرتغالي كريستيانو رونالدو، مهاجم النصر، الذي آثر عليه ميسي، بطل نشأته، حين خُيِّر بينهما قبل أعوام عدّة. وآنذاك برّر سبب تفضيل الأرجنتيني بالقول: «حجم الموهبة الفطرية التي يمتلكها ليس طبيعيًا أبدًا. إنه حقًا أفضل لاعب كرة قدم في العالم».