ويسلي.. الطفل السمين.. مشاغب القطارات.. وتلميذ العجوز ينتهي بالنصر
من بين نحو 4.5 مليون راكبٍ، يستقلُّون يوميًّا مترو مدينة ساو باولو البرازيلية العملاقة، أحد أكبر نُظم مترو الأنفاق في العالم مع شبكةٍ طولها 69 كيلومترًا و60 محطةً، لم يشتكِ عمال المنشأة الضخمة أكثر مما اشتكوا من طفل نادي كورينثيانز، إذ اعتاد على استخدام القطار دون دفع التذكرة من أجل اللحاق بالتدريبات. كان ذلك الفتى المشاغب، هو ويسلي جاسوفا تيكسيرا، لاعب فريق النصر الأول لكرة القدم الجديد.
في مدينة ساو باولو، أكبر مدن البرازيل، وأكبر مدينةٍ في قارة أمريكا الجنوبية، ومركز الاقتصاد البرازيلي، وأرض استقبال الباحثين عن رزقٍ معلَّقٍ، انسدَّت أبوابه، ومقصد الهائمين على وجوههم في المدى المجهول، والشغوفين بمتعة اكتشاف العالم المتواري وراء ظلمات المحيط، وفي أغوار الغابات، يبحث كل أبٍ عن أفضل مستقبلٍ لأبنائه. وفي البرازيل دون غيرها في العالم، ليس هناك مستقبلٌ أفضل من كرة القدم التي تدرُّ الأموال بسخاءٍ على لاعبيها، وتحوِّل حياتهم إلى ثراءٍ باذخٍ.
كان الأب فلاديمير جاسوفا أحد هؤلاء الآباء الذين سعوا إلى توفير أفضل فرصةٍ لابنه الوحيد لينقذ العائلة الفقيرة من براثن الفقر المدقع بعد أن فشلت مسيرته لاعبًا على الرغم من خوضه عديدًا من التجارب الاحترافية في البرتغال وبلجيكا حيث فضَّل لاحقًا التركيز على ابنه بعد أن فاته القطار.
في سن الـ 11، وبينما كان الطفل الصغير ويسلي يتجوَّل مع أقرانه الذين كانوا يستعدون للتسجيل في فريق الصالات لنادي كورينثيانز، بدا وكأنَّ الأمر لا يعنيه، وحضر فقط لمشاهدة زملائه يخوضون التجارب والمباريات. تكرار حضوره لفت كارلينيوس، مدرب كورينثيانز تحت 13 عامًا حينها، الذي يقول: «كنت أشكِّل فريقًا لكرة قدم الصالات تحت 12 عامًا، عندما ظهر ويسلي برفقة أصدقائه. لقد كان بدينًا، ولم أعطِه أي شيءٍ. كانت لدينا مباراةٌ في المنطقة الجنوبية، وذهب معنا إليها. سألته: ماذا جئت لتفعل؟ فقال: لقد جئت لمشاهدة المباراة. فطلبت منه البقاء في غرفة تبديل الملابس. وتكرَّر الأمر ذاته في المباراة التالية: لقد جئت لمشاهدة المباراة. وكيف أتيت؟! لقد أتيت وحدي».
لاحقًا اعتاد الطفل الصغير على التجوُّل في ساو باولو بمفرده، ومشاغبة عمال محطة المترو في المدينة قبل أن يتمَّ تسجيله بفريق الصالات في نادي كورينثيانز.
يضيف المدرب ذاته: «في ذلك الوقت كنا نعطي الأولاد وجبةً خفيفةً بعد التدريب، لكني أتذكَّر أنه كان يأتي، ويطلب أن يأكل قبل النشاط، لأنه كان يصل جائعًا بعد رحلةٍ شاقةٍ لطفلٍ صغيرٍ داخل أروقة المدينة المزدحمة حد التكدُّس، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 11.45 مليون نسمة».
لم تكن البداية في النادي للطفل الصغير مشجعةً، وكاد أن يطرد بسبب مشاغبته، وخلافه مع مدربه، واحتاج إلى أكثر من ثلاثة أعوامٍ حتى يبرز في سن 14 عامًا.
يقول عنه كارلوس نجود، مدير الأكاديمية حينها: «بسبب خلافٍ مع المدرب، كاد أن يتم تسريحه من فريق تحت 13 عامًا، لكن ذلك لم يدم طويلًا. تراجع بعض الأشخاص في الأكاديمية عن القرار، وبقي في النادي. لو أخذنا في الاعتبار الجانب الانضباطي فقط، لكان من الممكن طرد ويسلي! لكنَّه جوهرةٌ، لذا تمسَّكنا به، وتغلَّبنا عليه، وعلمنا أن طاقته يمكن أن تنفجر في أي وقتٍ».
ويذكر: «في عملية التطوير والتدريب، لعبت الأسرة وموظفو النادي دورًا مهمًّا. كنا دائمًا حاضرين، ونتحدث مع ويسلي وعائلته لمواءمة المشروع الذي تم تنظيمه حتى يومنا هذا. بالطبع، في وقت انتقال الفئة، مرَّ بتغيُّراتٍ طبيعيةٍ، يمرُّ بها عديدٌ من الأطفال، لكن لم يكن لديه مثل هذا السلوك الجاد الذي دفع النادي إلى طرده. كانت هناك مواقفُ، توجَّب علينا فيها التدخُّل، وإظهار أنه يحتاج إلى تعديلاتٍ. كان ويسلي دائمًا فتى يتمتع بشخصيةٍ قويةٍ، وكان دائمًا يريد الفوز والمنافسة. ربما يفهم بعض الناس هذه الشخصية بشكلٍ مختلف، لكنه كان دائمًا فتى جيدًا».
في سن الـ 17، وقَّع الفتى الصغير أول عقدٍ احترافي له مع فريق كورينثيانز تحت 17 عامًا، وكانت مدته ثلاثة أعوامٍ، لكنه لم يحتج إلى الكثير لينضم إلى الفريق الأول، وجاء أول ظهورٍ له في 20 أبريل 2022، حيث دخل بديلًا في الشوط الثاني أمام بورتوجيزا جيه في كأس البرازيل قبل أن يشارك في الدوري للمرة الأولى، في يونيو 2022، خلال خسارة كورينثيانز أمام كويابا 0ـ1.
وفي موسم 2023 كان العجوز البرازيلي الشهير فاندرلي لوكسمبورجو، البالغ من العمر حينها 71 عامًا، أول مَن يمنح الفتى الشاب فرصة تمثيل الفريق بصفةٍ أساسيةٍ دائمةٍ قبل أن يقرِّر في لحظةٍ مفاجئةٍ إعادته إلى فريق الشباب، الأمر الذي عدَّه كثيرٌ من المتابعين للكرة البرازيلية حينها أشبه بـ «قرصة أذن» من العجوز الخبير للفتى الشاب بأن الوقت ما زال مبكرًا للاعتقاد بأنك النجم الأول في الفريق.
نجحت لدغة العجوز المخضرم للفتى الأسمر، الذي فهم الرسالة جيدًا، وقدَّم مستوياتٍ رائعةً بعد عودته إلى الفريق الأول مجددًا، ما جعله مطمعًا لعديدٍ من الأندية الأوروبية الكبرى قبل أن يظفر أصفر الرياض بتوقيعه.
في الرياض لا ينسى النصراويون البصمة الكبيرة التي قدَّمها البرازيلي مارسيلينيو الشهير بـ «كاريوكا»، مطلع القرن الجديد، الذي يعدُّ من أعظم أساطير «التيماو»، ويتمنى عشاق الأصفر أن يعيد الفتى الصغير ذكريات العملاق «كاريوكا».