كانسيلو.. نجا من الموت.. وتبناه جيسوس
على غرار الكثير من نجوم كرة القدم، يبرهن البرتغالي جواو كانسيلو، مدافع فريق الهلال الأول لكرة القدم الجديد، على أن العبقرية تولد من رحم المعاناة، كيف لا وهو الذي فقد والدته في حادث مروري مروع، كاد أن يقضي على حياته الرياضية.
في مقاطعة سيتوبال البرتغالية، التي تقع على ضفة نهر سادو، وتبعد 40 كيلومترًا من لشبونة عاصمة البرتغال، والشهيرة بتجارة السمك، ويرتادها السياح في كل عام نظرًا لشواطئها الرائعة وطبيعتها الجميلة، ولد جواو كانسيلو في 27 مايو عام 1994، كان أحد الطفلين اللذين أنجبهما الزوجان فيلومينا وجوزيف، برفقة شقيقه الآخر بيدرو، الذي يبلغ من العمر 19 عامًا، ويلعب مع نادي فيتوريا دي جيماريش في بلاده.
يقول كانسيلو عن عائلته: «أنا من عائلة متواضعة، في البرتغال لا يوجد عمل في كثير من الأحيان، كان على والدي الذهاب إلى سويسرا لكسب المال لإعالة عائلتنا، كنت أعيش مع أجدادي من جهة أمي، لذلك نادرًا ما أرى والدتي أثناء النهار، في وقت ما كانت تعمل في ثلاث وظائف مختلفة، ولم أرها إلا في وقت العشاء».
تولت الزوجة فيلومينا رعاية طفليها بغياب الأب، وكانت ترقب موهبة جواو وهي تكبر، على الرغم من أنها كانت تعمل في ثلاث وظائف لتوفير مصاريف حياة أطفالها، ومهمة مراقبة جواو، الذي أتعبها بلعب كرة القدم مع الأطفال في الحارة.
بسن الثامنة، التحق الطفل الصغير بنادي باريرينسي المحلي، الذي صقل موهبته، ولفتت أنظار كشافي بنفيكا، الذين لم يتأخروا في ضم الموهبة القادمة.
تدرج الفتى البرتغالي بالفئات السنية للفريق الكبير، وكان ظهوره مع الفريق الأول مسألة وقت لا أكثر، قبل أن يتعرض في 7 يناير عام 2013 إلى صدمة كبيرة، جعلته يفكر في اعتزال كرة القدم، إثر حادث مروري أودى بحياة والدته، التي كانت برفقته وشقيقه الأصغر بيدرو، وخرجا منه بإصابات طفيفة.
يقول كانسيلو عن فقدان والدته: «عندما فقدت والدتي، شعرت وكأنني في قاع حفرة. شعرت وكأنني روبوت عليه فعل عمله، ثم العودة إلى المنزل، يومًا بعد يوم. لم أستمتع بكرة القدم، كنت ألعب لأنني لقد فكرت حقًا في الاستسلام، لأن الأمر لم يعد منطقيًا. لكن طاقم بنفيكا اتصل بي باستمرار ليطلب مني العودة، لأنهم يؤمنون بإمكانياتي».
ويضيف: «ترك والدي الأمور تهدأ، ثم تحدث معي. قال إنه وأخي يحتاجان إليّ، لقد كنت بحاجة إلى القوة للاستمرار، لأن والدي اضطر إلى البقاء، ولم يعد بإمكانه العودة إلى سويسرا. وبحلول ذلك الوقت كنت قد وقعت بالفعل عقدًا احترافيًا مع بنفيكا، وتم استخدام الكثير من أموالي لدعم عائلتي، لذلك قررت اللعب. مرة أخرى في البداية لم يكن الأمر سهلًا، لم يكن لدي القوة أو الرغبة، لكن تلك المحادثة مع والدي، والحب الذي أكنه لهذه الرياضة، جعلني أتغلب على كل شيء، وبدأ حبي للعبة يعود تدريجيًا، هذا هو كل ما يتعلق بالحياة. بغض النظر عن حجم خسائرنا، علينا أن نستمر. قرأت الكثير من الأشياء عن المحاربين وأشياء معينة لها صدى حقيقي بالنسبة لي».
ويتابع: «أمي هي الشخص الذي أعجب به أكثر من أي شخص آخر في هذا العالم. أعتذر لوالدي ـ فأنا أعلم أنه لن يأخذ الأمر على محمل شخصي ـ لكن والدتي تشبهني أكثر. شخصيتها تشبه شخصيتي إلى حد كبير. أنا وحدي أعلم ما فعلته من أجلي، الصعوبات التي مررنا بها، والمحادثات التي أجرتها معي عندما لم يكن هناك مال في المنزل، كنت أقول لها إنني سأحاول أن أفعل كل ما في وسعي لأمنحها مستقبلًا أفضل، حتى لا تضطر إلى العمل مرة أخرى. واليوم، وعلى الرغم من أنها في مكانها الحالي، فإنني أفعل كل ما في وسعي لأجعلها تشعر بالفخر بي».
كان جورجي جيسوس، مدرب فريق الهلال الحالي، ومدرب بنفيكا في ذلك الوقت، أحد أكبر المراهنين على موهبة كانسيلو، وانتظار تطوره، ليصعده إلى الفريق الأول، وبالفعل بعد أن تجاوز الشاب مرحلة وفاة والدته عاد بطموح مختلف ورغبة شديدة بتحقيق حلم أمه برؤيته نجمًا دوليًا كبر، وهي التي عانت في سبيل إيصاله إلى تدريباته، وضحت بالكثير من أجل سطوع نجمه.
توالت الأعوام، وسطّر كانسيلو مسيرة مميزة مع بنفيكا، الذي أعاره إلى فالنسيا الإسباني 2014، وضمَّه النادي في 2015، ليستمر معه حتى 2018، قبل أن يعيره لإنتر ميلان الإيطالي عام 2017، ويتحوَّل منه إلى يوفنتوس، ويمثّله موسمًا واحدًا، وينتقل إلى مانشستر سيتي عام 2019 في صفقة، قُدِّرت بـ 30 مليون يورو.
ومثَّل البرتغالي الفريق السماوي حتى 2023، العام الذي ذهب فيه معارًا، خلال الفترة الشتوية، إلى بايرن ميونيخ الألماني، ثم عاد إلى سيتي، وأعير الموسم الماضي لبرشلونة الإسباني.
يتحدث كانسيلو عن تحقيقه حلم والدته بقوله: «يبدو الأمر كما لو أن لدي دائمًا فراغًا في قلبي لأنها ليست موجودة جسديًا، في البرتغال أذهب دائمًا إلى المقبرة لرؤيتها، إنه مثل الالتزام الذي عليّ».
ترك رحيل والدته الكثير من الآثار في حياة كانسيلو، الذي لم يرتبط بأي فتاة حتى العام 2017، حين التقى شريكته دانييلا ماتشادو، وأنجب منها ابنته الوحيدة أليسيا، البالغة من العمر خمسة أعوام.
كان إنجابه لفتاة لحظة لا ينساها كانسيلو بعد أن شغف قلبه بحب فتاته الصغيرة، التي تذكره بالفقد الكبير في حياته.
في السعودية، لن يعاني الظهير البرتغالي كثيرًا وهو يرتدي قميص الهلال، بعد أن أعاد الأزرق لم شمله مجددًا، بعد أكثر من 10 أعوام، مع معلمه الأول جورجي جيسوس.