سولانكي.. الهبوط نعمة
داخل مربّعٍ صغيرٍ على إحدى صفحاتها الداخلية، كتبت صحيفة «ديلي تليجراف» البريطانية، في 2 مارس 2017، تصويبًا لخبرٍ، كانت قد نشرته قبل ذلك بنحو شهرٍ وأسبوعين يقول إن المهاجم الإنجليزي دومينيك سولانكي، الذي كان في الـ 19 من عمره، يطلب تقاضي راتبٍ ضخمٍ، بالمقارنة مع عمرِه ومسيرَته، يُقدَّر بـ 50 ألف جنيه إسترليني كلَّ أسبوعٍ، كي يوافق على توقيع عقدٍ جديدٍ مع ناديه تشيلسي، أحد الستة الكبار للدوري الممتاز «البريميرليج».
وكتبت الصحيفة في تصويبها «نؤكّد أن ما نُشِر لم يكن صحيحًا». كلُّ ما في الأمر أن سولانكي أراد الحصول على ضماناتٍ لخوض مزيدٍ من المباريات والدقائق، واعترض على تصنيفه مهاجمًا ثالثًا للفريق، خلف الإسباني دييجو كوستا والبلجيكي ميتشي باتشواي.
بعد نشر النفي، لم يتغيَّر شيءٌ، وواصل اللاعب، الذي تعلَّم الكرة داخل أكاديمية تشيلسي، رفضَ التوقيع على العقد، فيما أعلن الإيطالي أنطونيو كونتي، مدرب الفريق الأول آنذاك، أن هداف الفئات السنية، الذي التحق بالأكاديمية وهو ابن سبعة أعوام، سيغادر النادي على الأرجح فور انتهاء الموسم.
بالفعل، طار اللاعب، المولود لأب نيجيري وأمٍّ إنجليزيةٍ، شمال إنجلترا صوب مدينة ليفربول، ووقَّع لناديها «الأحمر» العريق الذي يحمل اسمها، منتظرًا فرصة مشاركةٍ حقيقيةٍ تحت قيادة المدرب الألماني يورجن كلوب. لكنْ الرياح أتت ثانيةً بما لا تشتهي السفن، ووقَع المهاجم الواعد حبيس دكة الاحتياط في ظل اعتماد ليفربول على ثلاثي المقدمة الفتَّاك، المصري محمد صلاح والسنغالي ساديو ماني والبرازيلي روبرتو فيرمينو.
مع كلوب، زادت دقائق المشاركة كثيرًا، مقارنةً بنظيرتها مع كونتي، لكنْ ابن مدينة ريدينج، الحالم منذ صغره بالنجومية، ظلَّ يؤدي دورًا فرعيًّا، وإن اتَّسعت مساحتُه.
وللمرة الثانية، يقرِّر سولانكي التمرُّد، لكنْ هذه المرة اختار وجهةً مقبلةً مختلفةً، واقتنع بأن الأفضل بالنسبة له أن يكون مثل سمكةٍ كبيرةٍ في بركةٍ صغيرةٍ، وليس العكس.
بعد عامٍ وستة أشهرٍ، وجد ابن تشيلسي نفسه يهبط مع بورنموث، فريقه الجديد، إلى دوري «تشامبيون شيب». خيّم الحزن على الجميع داخل النادي الصغير، لكنْ القادم من ليفربول نظر إلى الهبوط من زاويةٍ مغايرةٍ، وعدَّه فرصةً لخوض مزيدٍ من المباريات، وإحراز عددٍ أكبر من الأهداف بعيدًا عن صعوبات أقوى دوري في العالم، وهو ما حدث بالفعل.
يقول دومينيك، في حوارٍ صحافي سابقٍ، عن تلك اللحظة «بمجرد أن بدأت في التأقلم مع الفريق، هبطنا. كان الأمر مؤسفًا، لكنه كان بالنسبة لي بمنزلة نعمةٍ مقنّعةٍ. كان النزول إلى الدرجة الأدنى فرصتي للعب سلاسل من المباريات، والبدء في إحراز الأهداف بانتظامٍ».
وفيما نصَّب الفريقُ لاعبَه، الملقَّب اختصارًا بـ «دوم»، مهاجمًا رئيسًا، كان الأخيرُ على قدر الثقة، وأحرز 29 هدفًا لحساب نسخة 21ـ22 من «تشامبيون شيب»، مُرسِلًا النادي مُجدّدًا إلى «البريميرليج».
بعد الصعود، لعِب المهاجم الأسمر مَوسِمًا متوسّطًا قبل أن تنفجر قدراته التهديفية في الموسم التالي، الذي شَهِد على إحرازه 19 هدفًا لحساب النسخة الأخيرة من «البريميرليج».
يصف صاحب الأهداف تطوُّره بالقول إن كرة القدم، هي «لعبة الثقة»، ويشرح «عندما تُحلِّق وتسجّل، تبدأ الأمور في السير بشكلٍ جيدٍ. إنه شعورٌ أسهل بكثيرٍ يومًا بعد يومٍ».
وعلى ألسنة مشجعي بورنموث، انطلقت تسمية «جوووولانكي»، التي كانت تُطرِب المقصودَ بها بعد كل هدفٍ يُحرِزه، لكنه من داخلِه، وبعد ختام الموسم، رأى أن الوقت حان للقفز إلى الأعلى، والعودة إلى مجموعة «التوب 6»، التي مَثَّل بالفعل اثنين من أنديتها.
والسبت الماضي، وبعد مفاوضاتٍ سريعةٍ، أعلن ناديا بورنموث وتوتنهام هوتسبير، أحد الأندية الستة الأكثر جماهيريةً في إنجلترا، رحيل سولانكي «26 عامًا» من الأول إلى الثاني، ليصبِح أغلى لاعبٍ اشتراه توتنهام على مدى تاريخه، وأغلى لاعبٍ باعه بورنموث، بعدما قدَّرت الصحافة البريطانية قيمة الصفقة بـ 65 مليون جنيه إسترليني، تشمل الإضافات.
الآن، يفتح خريج أكاديمية تشيلسي، أحد غرماء توتنهام في لندن، صفحةً جديدةً، يتمنَّى أن تساعِده في تحقيق نبوءة البرتغالي جوزيه مورينيو، مدرب «البلوز» السابق، الذي قال عنه، بعدما شاهده وهو ابن 16 عامًا في فرق الناشئين، إنه سيقود هجوم منتخب إنجلترا الأول لو شارك مع الفريق الأول بانتظام.