سباقات الجري.. الجينات تصنع تاريخ 3 دول في الأولمبياد
يتشابه ترتيب الدول الأكثر فوزًا بالميداليات في منافسات ألعاب القوى بدورات الألعاب الأولمبية، في ظل صدارة أمريكية ووصافة روسية «سوفيتية» ومركز ثالث لبريطانيا، وهذا التشابه يكاد يكون طبيعيًا، لأن ألعاب القوى هي أم الألعاب، ولأنها تحمل الكثير من المنافسات والميداليات، والسباق نحو القمة تاريخيًا لا يمكن إلا أن يمر عبر مضمارها.
لكن بعيدًا عن هذه المعادلة، هناك ثلاث دول خالفت هذا التيار، دول لا تجد مكانًا لها في قائمة أكثر 30 دولة حصولًا على ميداليات في التاريخ الأولمبي، لكنها أعلنت عن نفسها في تصنيف «العمالقة» عبر ألعاب القوى، لا بل في جانب واحد فقط من أم الألعاب، ألا وهو سباقات الجري بمختلف مسافاتها، لتكون هذه المنافسات بمثابة الثقافة الأولمبية الوحيدة لدول أبدعت في مضمار السباقات، وحصدت الكثير من الميداليات في شق واحد، دون أن يكون لها أي أثر كبير في جميع الرياضات الأولمبية الأخرى.
الدولة الأولى هي كينيا، التي جمع رياضيوها 113 ميدالية أولمبية، منها 105 في سباقات ألعاب القوى، أي أنها حصلت على 93 في المئة من ميدالياتها بسبب سرعة ولياقة وتحمّل عدائيها، الذين تخصصوا بشكل عام في السباقات المتوسطة والطويلة، لتكون كينيا الأكثر حصولًا على ذهبيات في سباقيْ 1500 متر، و3000 متر موانع، وثاني الدول في قائمة ذهبيات الماراثون وسباق 5000 متر، ومع أرقام أولمبية قياسية في الماراثون و800 متر، و3000 متر موانع في فئات الرجال، ومثلها في سباق 1500 متر، و5000 متر في فئات السيدات.
وبعد كينيا، تأتي جامايكا، الدولة التي يبلغ تعدادها السكاني 3 ملايين نسمة فقط، لكنها أنجبت نخبة من أسرع العدائين، وبنت ثقافتها الأولمبية على سباقات المسافات القصيرة في ألعاب القوى، بقيادة يوساين بولت الحاصل على ثلاث ذهبيات في سباق 100 متر، وشيلي آن فريزر التي تُعد الرياضية الوحيدة الحاصلة على أربع ميداليات في السباق نفسه، عن فئة السيدات. وبالمجمل، حقق الرياضيون الجامايكيون 88 ميدالية أولمبية عبر التاريخ، منها 85 في سباقات الجري، أي بنسبة 96.5 في المئة من إجمالي الميداليات، وجميعها جاء في سباقات تتراوح مسافتها بين 100، و800 متر، سجلوا خلالها أربعة أرقام أولمبية قياسية قائمة حتى يومنا هذا.
ويأتي الدور بعد ذلك على إثيوبيا، فهي سلطت كل تركيزها على منافسات الجري، مثل كينيا وجامايكا، لكن مع مفارقة مهمة، إذ تملك إثيوبيا 59 ميدالية أولمبية، جميعها في سباقات المسافات المتوسطة والطويلة، ما يعني أن إثيوبيا لم تحصد أي ميدالية في أي رياضة أخرى. وتملك إثيوبيا العدد الأكبر من الذهبيات في سباق 5000 متر برصيد 16، وسباق 10000 متر برصيد 26، إضافة إلى الماراثون برصيد 11، ومع ثلاثة أرقام أولمبية قياسية في هذه السباقات.
وكان موقع «NIH» الطبي قد نشر دراسة قبل أعوام عن الأسباب وراء تفوق الكينيين والإثيوبيين في السباقات المتوسطة والطويلة، والأجوبة تضمنت العوامل الوراثية، والقدرة على امتصاص أعلى قدر من الأكسجين نتيجة المشي والجري على نطاق واسع في سن مبكرة، وارتفاع الهيموجلوبين لديهم، والنظام الغذائي التقليدي هناك، إضافة إلى العيش والتدرب على ارتفاعات عالية.
أما عن تألق الجامايكيين في سباقات المسافات القصيرة، نشر موقع «PLC» دراسة من جامعة جلاسجو الإسكتلندية، وذكرت أن جينات «ACTN3» توجد لدى أكثر من 70 في المئة من أبناء هذا البلد، وهي جينات تولد البروتين، الذي يُعدّ ضروريًا في هذه السباقات، كما ذكر الموقع أن معدل حجم القلب لدى الجامايكيين يُعد أكبر من الحجم الطبيعي، قبل التطرق إلى عوامل البنية الجسدية، والثقافة، لأن سباقات المسافات القصيرة باتت الملاذ الأول للنشء الصاعد في جامايكا، تيمنًا ببولت، وغيره من العدائين، الذين رفعوا علم بلدهم أمام الملايين في أشهر السباقات.