قصة الدب رينر.. من شواطئ المستعمرة إلى سفارة اليونيسيف
السابع من أبريل عام 1989 كان مولد تيدي رينر، في بلدته الصغيرة بوانت - آ - بيتر بجزيرة جوادلوب، إحدى المستعمرات الفرنسية بالبحر الكاريبي الجنوبي، لكن لم يكن أحد ليفكر أن هذا الطفل سيكون «سيد الجودو» وأحد عظماء الرياضة، حينما كسر كل التوقعات والأحلام التي رسمها له والداه.
رينر، الملقب بـ «تيدي رينر»، أو «الدب رينر» نظرًا لحجمه الضخم، أصبح الرياضي الأكثر تتويجًا بالميداليات الأولمبية، بعد أن حصل الجمعة على الذهبية الرابعة في وزن أكثر من 100 كجم ضمن منافسات باريس 2024، وهي السادسة في سجله، بخلاف 11 لقبًا عالميًا، و5 أوروبيًا و21 تتويجًا في بطولات الجراند سلام والجائزة الكبرى والماسترز الأخرى.
بعد ولادته بأعوام قليلة كان قرار مويس وماري، بالانتقال إلى فرنسا، بداية التغيير في حياة طفلهما رينر، الذي اعتاد اللهو مع شقيقيه لور وناتاشا على شواطئ البلدة ورمالها الذهبية، إذ كانت تنتظره أحداث وأحداث، ستغير مسار حياته.
في باريس، حيث استقرت العائلة، أزعج رينر والديه بنشاطه المفرط داخل المنزل، فلم يجدا طريقة لتوجيه طاقته تلك سوى إرساله إلى «أكوابوليفارد» وهو مركز صغير للياقة البدنية في جنوب المدينة، حيث مارس العديد من الأنشطة، بما في ذلك ألعاب القوى، والسلة، وكرة القدم، والجولف، وتسلق الجبال، والإسكواتش، والسباحة، والجودو.
في سن السادسة بدأ يظهر ميلًا أكثر نحو كرة القدم والجودو، حيث جرى تسجيله رسميًا في المنشطين، وكان موهوبًا في كليهما.. يقول والده: «أتذكر أنه لعب في خط الدفاع لفريقه، لكنه أنهى الموسم كأفضل هدّاف.. ومع ذلك، كان عليه أن يختار بين الرياضتين، فلا يمكننا السماح له بإهمال دراسته فوقع اختياره على الجودو».
عندما بلغ الـ 14، انضم رينر إلى نادي بول إسبوار دو روان للجودو، في مدينة روان بشمال غرب فرنسا، وبقي هناك لمدة عام، وعاد إلى باريس للانضمام إلى المنتخب الفرنسي في المعهد الوطني للرياضة، بصفة متدرب داخلي.
في أحد الأعوام، وخلال دورة تدريبية، أعطى المدرب بينوا كامبارج حزامه الأسود للاعب الشاب الذي نسي حزامه في المنزل. يتذكر تيدي تلك الواقعة التي كانت واحدة من المحطات التي شكلت مساراته: «لقد ارتديت ذلك الحزام بعد ذلك في إحدى النزالات.. جلب لي الحظ.. وجدت أنه يناسبني أكثر منه، ومنذ ذلك الحين، كان معي دائمًا وأرتديه في جميع نزالاتي.. إنه حزامي المفضل».
على الرغم من سيطرته المطلقة على الرياضة خلال 10 أعوام لم يذق فيها طعم الخسارة في 154 مباراة متتالية، إلا أن رينر يتمتع بتواضع جم مع منافسيه، ولا يقلل منهم مهما كانت مستوياتهم.. كانت هذه عقليته منذ طفولته.
رينر نفسه سرد في موقعه الرسمي على الإنترنت قصة تشير إلى هذا السلوك المبكر: «خسرت أمام شقيقي، الذي يكبرني بعامين، في قتال لم يستمر أكثر من 20 ثانية.. كنت أفضل منه.. أتيحت لي الفرصة لهزيمته، وإظهار من هو الأقوى لوالدينا.. كنت واثقًا جدًا من نفسي، وهذا يعني أنني قد أهدتيه الفوز على طبق من ذهب».
في أولمبياد بكين 2008، صعد تيدي إلى منصة التتويج ليتقلد الميدالية البرونزية، لكنه أبى أن ينفرد بتلك اللحظات التاريخية وحده، فحمل صورة لصديقه المقرب، وهو لاعب جودو كان يكافح سرطان الدم في ذلك الوقت، من أجل أن يبعث له رسالة تضامن وتشجيع.. ومنذ ذلك الحين، تغلب الشاب على مرضه.
رينر متزوج من لوثانا بلوكوس ولديهما طفلان، إيدين «10 أعوام»، وإيزيس «6 أعوام»، وينشط كثيرًا في مجال الطفولة بعد أن اختارته منظمة الـ «يونيسيف» سفيرًا لها لنشر وتعزيز جهودها حول العالم لمستقبل أفضل لهم: «عندما رأيت العمل الدؤوب ليونيسيف، أدركت هذا التأثير على حياة الأطفال، وأردت المساعدة قدر الإمكان في هذا التغيير، ليس فقط في توجو ولكن أيضًا في بلدان أخرى.. لا يمكننا أن نبقى غير متأثرين بحقيقة أن أكثر من مليوني طفل لا يبقون على قيد الحياة في الشهر الأول من حياتهم، وأن 80 في المئة منهم ماتوا لأسباب كان من الممكن تجنبها أو علاجها في الوقت المناسب».
بجانب نشاطه مع «اليونيسيف» افتتح البطل الفرنسي أكاديميته الرياضية الخاصة لينقل للنشء أساليبه التدريبية الخاصة، وانضباطه الذاتي الدؤوب الذي جعله رياضيًا ناجحًا.