باتشيكو.. صديق كاسترو الغريب داخل وطنه
إذا كنت تؤمن بدقّة جميع معلومات موقع «ويكيبديا» الإلكتروني، فالموسوعة الشهيرة تدَّعي ميلاد البرتغالي ألفارو باتشيكو، المدرب الجديد لفريق العروبة الأول لكرة القدم، في مدينة فيلا كوفا دي ليكسا، شمال غربي بلاده، بينما هو في الحقيقة أطلق صرخة الحياة على بُعد أكثر من ستة آلاف كيلومتر، هناك في أنجولا، العالقة على حافة الساحل الغربي لإفريقيا.
في عمر عامين ونصف العام انتقل ألفارو مع أفراد عائلته البرتغالية من بلاد الموز والبُنّ إلى بلدهم الأم، حيث عانوا الأمرّين، فلا عمل، ولا دخل ثابت، ولا أحد يعرفهم حتى يمدُّ لهم يد العون.. صدق القائل: «أوشكت الغربة أن تكون موتةً صغرى».
افتتح الوالد ورشةً لصنع وإصلاح الأقفال، حتى يعول أسرته المعلقة برقبته.. الأبناء انتظموا في مدارسهم.. والعمل يُدرّ دخلًا لكن «يدًا واحدة لا تصفّق»، والشمس تُشرق كل يومٍ باحتياجات لا تقبل التأجيل، فكان لا مفرَّ من التضحية بدراسة ألفارو كي يساعد أبيه في تأمين النفقات.
بعُمر الـ 17، اقتحم الصبي مُعترك الحياة العملية، مودِّعًا كتبه وأقلامه إلى الأبد. يقول عن تلك الفترة: «ما زلت أتذكَّر عندما قرَّرت قطع دراستي للعمل مع والدي فني أقفال، لم أكن أخجل من ذلك أبدًا، في الواقع، اليوم أعلِّم أطفالي قيمة التواضع والوعي بضرورة الكفاح من أجل شيء ما».
منذ صغره فتح ألفارو قلبه لكرة القدم، وجد فيها متنفسًا خارج حياة متخمة بالصعوبات، استهوته فكرة احترافها، خاصة مع معاصرته، خلال السبعينيات والثمانينيات، صعود نجم مواطنه المهاجم روي جورداو الذي، مِثله، وُلِد في أنجولا، وتألق فيما بعد على الملاعب الخضراء بقمصان بنفيكا وسبورتينج لشبونة وغيرهما.. عربدت الفكرة في رأسه وتملّكت تفكيره، وسعيًا لترجمتها التحق بنادي ليكسا، القريب من مسكنه.
بعيدًا عن ضجيج المطارق وزئير آلات دق الأقفال، كان الفتي المراهق يسترق وقتًا للذهاب إلى ملعب ليكسا للتدريب.. ظلّ هكذا شطرًا من عمره.. وفي سن الـ 18 انتقل إلى نادي فيلجويراس المجاور، ومعه صعد إلى الفريق الأول ليبدأ تشكيل ملامحه كرويًا.
«منذ ذلك الحين أصبحت لاعبًا محترفًا. كرة القدم لم تمنحني الكثير من المال، لكنني عشت دائمًا على قدر إمكاناتي».. تربّى البرتغالي منذ صغره على هذه النظرية الاقتصادية واعتنقها طيلة حياته، فما لا تطوله الأيدي لا تبكيه العين، وهكذا أمضى مشواره الاحترافي على مدى نحو عقدين كاملين قنوعًا، راضيًا، يرتحل من محطّة متواضعة إلى أخرى متوسطة، مثل ليكسا، ناديه الأصلي الذي مثّله لاحقًا لثلاث فترات منفصلة، وديسبورتيفو أفيش، وتيرسينسي، وإشتوريل، حتى اعتزل في 2007 بقميص نادي أمارانتي.
عندما بدأ مسيرته التدريبية، كان اتجاهه الأول نحو الفئات السنية، ذلك المحضن الذي عرف قيمته حين لاذ به وقت صباه، وقاد شباب بينافيل، ثمّ منحه نادي ليكسا فرصة ترؤس الجهاز الفني للفريق الأول في تجربة قصيرة أدرك بعدها، بتواضع، حاجته إلى مزيد من التأهيل، فتقهقر إلى منصب المساعد، وبات اليد اليمنى لمواطنه ميجيل ليل، مُرافقًا له في موريرنسي وبوافيشتا.
وبعد تجربتين أخريين في هذا المنصب، إحداهما خارجية مع جانوفا الليتواني، عاد ألفارو باتشيكو إلى البرتغال مرتديًا ثوب «الرجل الأول»، وبدأ بتدريب فافي، أحد الأندية التي مثلها لاعبًا، ثم تولى الدفة الفنية لفيزيلا وصعّده من القسم الثالث إلى دوري النخبة.
يشتهر باتشيكو بشيئين، أولهما قلنسوته التي لا تفارق رأسه، والثاني لحيته البيضاء النامية على وجهه، وتلك الأخيرة ضحّى بها مرةً، في صيف 2021، إيفاءً بنذر قطعه على نفسه حال صعود فيزيلا إلى الدوري البرتغالي الممتاز.
مشواره الملهم مع فيزيلا خطف أبصار إدارة إشتوريل، ناديه السابق، فوقّعت معه يونيو 2023، لكن التوفيق جافى المدرب في هذه الرحلة التي دامت لثماني مباريات فقط، وانتقل منها سريعًا في أكتوبر إلى قيادة فيتوريا جيمارايش.
فصل جيمارايش هو الرئيس في رواية باتشيكو، ويسرد قصة شجرة مثمرة قُذفت في نهاية المطاف بالحجارة، فالمدرب قاد الفريق إلى المركز الخامس المؤهل لدوري المؤتمرات الأوروبي، ومع ذلك أقاله النادي قبل خاتمة جولات الموسم جزاءً لسفره سرًا إلى البرازيل لإجراء محادثات مع نادي كويابا، الذي فضّل لاحقًا اختيار البرتغالي بيتيت للمهمة.. وهكذا أصبح ألفارو، على الرغم من نتائجه، خالي الوفاض، فلا احتفظ بمنصبه ولا نال وظيفته الجديدة.
وحين أصدرت إدارة فيتوريا جيمارايش حُكْمها على الرجل، أوردته عبر بيان لاذع ذكرت فيه أنَّ النادي «لا يمكن أن يكون رهينة» في يد باتشيكو، معربة عن أملها في التعاقد مع مدرب «يعرف قيمة هذا الشعار».
وعدَّ المدرب ذلك تشهيرًا به، ورفع دعوى قضائية ضد النادي، بينما استأنف مسيرته التدريبية، وهذه المرة مع فريق برازيلي آخر، هو فاسكو دا جاما، وأُعفي سريعًا من منصبه بعد أربع مباريات فقط.
يملك باتشيكو أصدقاء من أبناء مهنته، بينهم مواطناه أبيل فيريرا، مدرب بالميراس البرازيلي، ولويس كاسترو، مدرب النصر السعودي، لكن حين يتعلق الأمر بملهميه في التدريب، فلديه ثلاثة، الألماني يورجن كلوب، والإيطاليان كارلو أنشيلوتي، وجيان بييرو جاسبريني.
يشرح البرتغالي فلسفته التدريبية قائلًا: «أحب كرة القدم الطموحة والهجومية التي تعتمد على الضغط والشراسة.. أخفِّف المسؤوليات على اللاعبين حتى يشعروا بالحرية داخل الملعب».. هذا ما يؤمن به المدرب، لكن التحدي الحقيقي بالنسبة له سيكون إمكانية تطبيق ذلك مع فريق صاعد لتوّه من الدرجة الأولى، أمام كبار أندية دوري روشن السعودي.