انتفاضة كارفاخال بدأت من أسنان سيسوكو
في صيف 2009 اتَّفق نادي ميلان الإيطالي مع نظيره ليون الفرنسي على استقطاب علي سيسوكو، ظهيره الأيسر، وتبقّت خطوة الفحص الطبي لتفعيل الصفقة رسميًا، وفجأةً توقَّف كل شيء، وصرف مسؤولو «الأحمر والأسود» النظر عن ضم اللاعب.
آنذاك، أفادت صحيفة «لاجازيتا ديللو سبورت» الإيطالية بسقوط الظهير الفرنسي في الكشف، والسبب ملاحظة طبية لا تتعلق بالقدم، أو الركبة، أو عضلات الساق، أو أي موضع يعوق اللاعب عن ركل الكرة، وإنما أسنانه!
لاحظ طبيب ميلان عدم تطابق أسنان الفك العلوي مع نظيرتها السفلية، وحذّر، في توصياته، من عواقب عظمية، وعضلية، وخيمة لذلك «الخلل» على اللاعب، وأخذ المسؤولون برأيه وتراجعوا عن إتمام الصفقة، أمَّا سيسوكو فأكمل طريقه متجاوزًا كل ما قيل، ولا يزال، مع بلوغه الـ 36، يمارس الكرة احترافيًا بقميص موانجتونج يونايتد التايلاندي.
وبعد تسعة أعوام من تلك الواقعة، وخلال صائفة أخرى كان دانيال «داني» كارفاخال، ظهير أيمن ريال مدريد الإسباني، منطرحًا على أرضية الملعب الأولمبي في كييف، العاصمة الأوكرانية، محطّم النفس بعد تلقيه دفعة من الإسكتلندي أندرو روبرتسون، ظهير أيسر ليفربول، في نهائي دوري أبطال أوروبا 2018، أرغمته لاحقًا على الخروج مستبدلًا.
السؤال الذي ألح عليه أثناء خروجه غارقًا في دموعه، وطوال الشهور اللاحقة: «لماذا أنا بالذات عرضةً لهذا الكم من الإصابات؟»، وعندما أعجزته الإجابة، قرَّر النبش وراء كل ما يتعلَّق بصحّة جسده، من قمة رأسه حتى أخمص قدميه.
كانت قصة سيسوكو واحدة من الدلائل على أهمية صحَّة الأسنان للاعب كرة القدم، لذا سعى كارفاخال، الذي لم يسمع بقرار ميلان على الأرجح، إلى الاطمئنان على سلامة فمه، ضمن محاولاته للخلاص من دوامة الإصابات.
ولأجل ذلك، اتصل بعيادة «Q-Dental» لطب الأسنان في مدريد، وحجز موعدًا لعرض نفسه على مديرها سيرجيو دي لا توري، الذي يتمتع بخبرة أكثر من 40 عامًا في هذا التخصَّص.
ودي لا توري، خلال شبابه، قطع شوطًا في رياضة التنس، ثم غادر ميادينها، وكرَّس نفسه لتحسين جودة حياة الرياضيين عبر تخصُّصه الطبي.
وصل الظهير الإسباني إلى العيادة بحثًا عن طوق نجاة، وحين فحصه الطبيب أدرك ما يحتاجه لتقليص فرص حدوث تلك الإصابات التي تهاجمه باستمرار وتبعده لفترات طويلة يصل مداها أحيانًا لعدة شهور.
يقول دي لا توري عن زيارة اللاعب لعيادته: «لقد جاء لإجراء فحص طبي لأسنانه. وصل بفمٍّ جيد جدًا. لم يكن يعاني من أي عدوى، وساعدناه فقط ببعض الأشياء لتحسين أدائه. أخبرته بالحال الذي سيصير إليه بعد العلاج، وهذا ما عاينه لاحقًا بالفعل».
يؤكِّد الطبيب وجود علاقة مباشرة بين صحّة الأسنان وأداء لاعبي كرة القدم، بعدما درس حالات تعاني من الإصابات باستمرار، واختبر، بالفحص، دور التهابات الفم في ذلك.
ويرى أنَّ «وجود فمّ صحّي يساعد على تحسين الأداء ومنع الإصابات العضلية»، ولذا عكف على إصلاح أسنان اللاعب عن طريق «التقويم غير المرئي» و«الجبائر الليلية»، بصفتهما العلاج النافذ لحالته.
تحسَّن داني بالفعل، لكن ليس فوريًا، فالإصابات ظلّت تطارده، حتى بدأت نتائج الوصفة الطبية لدي لا توري تتجلّى في الموسمين الأخيرين اللذين غاب اللاعب خلالهما مجتمعين ما يقل عن شهر واحد فقط، مقارنة بـ 76 يومًا موسم 2021ـ2022، و269 يومًا فيما سبقه.
ومع انتظام مشاركاته من جديد بفضل بُعده عن الإصابات، أعاد إحياء مسيرته التي بدت شمسها متجهة قبل عامين نحو الغروب، لدرجة ادّعاء بعض التقارير الصحافية تفكيره في الاعتزال، وقدّم موسمًا يصنّف بالأفضل خلال مشواره، أنهاه بتحقيق لقب كأس أوروبا «يورو 2024»، الأحد، مع منتخب بلاده، وقبله الدوري الإسباني «لا ليجا» ودوري أبطال أوروبا برفقة ريال مدريد.
وبعدما اقتلع طوق اليأس الذي كان مسيطرًا عليه بسبب إصاباته المتلاحقة، بات كارفاخال الآن أحد المستحقين لنيل جائزة الكرة الذهبية «بالون دور» مثلما صرح زميله رودري، لاعب الوسط، عقب التتويج.