شبهت بالأكاديميات.. صغر الملاعب يقلق منتخبات «كوبا»
تبدو ملاعب كوبا أمريكا 2024، التي تستضيفها الولايات المتحدة، أصغر من المعتاد عن ما يجب أن تكون عليه في المباريات الدولية، إذ يبلغ طولها 100 متر وعرضها 64 مترًا، وهو أمر لم يعتد عليه اللاعبون، وفقًا لموقع The Athletic.
وبعبارة أخرى فإن ملاعب واحدة من أكبر بطولات كرة القدم في العالم، تشبه تلك التي يستخدمها لاعبو الأكاديميات تحت 13 عامًا في إنجلترا بانتظام لمساعدتهم على التطور، إذ يتم تقليص مساحة الملعب طولًا وعرضًا لتقليل المتطلبات البدنية، أي أن إجمالي المساحة المقلصة تعادل تقريبًا حجم منطقة الجزاء، وهذا جيد بالنسبة لصغار السن، لكن ليس للاعبين دوليين كبار.
ولفت دوريفال جونيور، مدرب المنتخب البرازيلي، قبل التعادل السلبي مع كوستاريكا مساء الإثنين الماضي إلى حجم الملاعب، والتي ستعني أن المباريات ستكون متقاربة أكثر. وقال: «المدافعون عن منطقة جزائهم سيكونون قادرين على شن الهجمات المرتدة، والوصول إلى نصف ملعب خصمهم بسرعة أكبر بكثير، وهذا أمر يستحق التفكير فيه».
وأضاف: «تحدثنا كثيرًا عن ذلك في التدريبات وكيف سيسهل ذلك الأمر من عملية التقدم بسرعة للأمام، ولكن أيضًا سيكون من الصعب العثور على طريقة لتجاوز الدفاع المتكتل، فالمسافة بين المنطقة التي تستعيد فيها الكرة ومرمى الخصم أقصر بكثير من تلك التي في ملاعب بلادنا».
وبدا دانيلو، قائد المنتخب البرازيلي - وكأنما سُحب للتو البساط - أو فلنقل العشب - من تحت قدميه، بعد أن تفقد أرضية ملعب سوفي في لوس أنجليس.
وقال الظهير الأيمن لفريق يوفنتوس الإيطالي: «فوجئت، وكنت مسرورًا، بجودة الملعب الذي سيسمح لنا بإدارة مباراة فنية.. ولكن مع هذه الأبعاد، أتوقع صراعًا قويًا والكثير من الالتحامات الجسدية».
ربما لم تفشل البرازيل في الفوز على كوستاريكا في تلك المباراة بسبب حجم الملعب، لكن بلا شك كان ذلك عاملًا مساعدًا، وهو الأمر الذي اعترف به جوستافو ألفارو مدرب كوستاريكا لاحقًا، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على مباريات المسابقة. وحتى المنتخبات التي فازت في مبارياتها الافتتاحية قبلت بهذه الحقيقة.
نيستور لورينزو، مدرب المنتخب الكولومبي، قال عقب الفوز على باراجواي 2-1 الإثنين: «المساحة ضيقة للغاية.. 100 متر في 63 مترًا.. أليس كذلك؟ علاوة على ذلك، فرميات التماس تصل إلى منطقة الست ياردات دون أي حاجة إلى رميها بقوة. كل اللاعبين تقريبًا هنا اعتادوا على ملاعب أوسع وأطول أيضًا، وهذا يساعد تقريبًا الفريق الذي يضغط دائمًا».
لكن إذا كنت تتساءل لماذا هذه الملاعب؟ فالإجابة واضحة إلى حد ما، فاتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم «كونميبول»، ومنظمي البطولة، أرادوا أن يكون لكل ملعب الحجم نفسه، وهو أمر منطقي تمامًا، حتى لا يحصل منتخب واحد على الأفضلية بمجرد اللعب في ملعب معين. لكن هذا الأمر يصبح مشكلة صغيرة عندما يتم استخدام ملاعب اتحاد كرة القدم الأمريكية NFL لاستضافة مباريات كرة القدم، كما هو الحال مع 11 من أصل 14 ملعبًا تستضيف كوبا أمريكا، على وجه الخصوص، فملاعب NFL لا يوجد بها هامش واسع لزيادة الأبعاد، وللتوضيح يبلغ طول كل ملعب منها 110 أمتار ولكن عرضها 49 مترًا فقط.
وكان الافتقار إلى مساحة للمناورة بأماكن تنفيذ الركلات الركنية، في مباراة بيرو وتشيلي، بمثابة تجربة مثيرة لأي لاعب يحاول إرسالها بطريقة التفافية، وكان الأمر أكثر وضوحًا في ملاعب سوفي بكاليفورنيا، ميتلايف بنيوجيرسي وملعب AT&T في دالاس. لكن كان على الجميع الالتزام بالقيود، حتى لو كان ذلك يعني تقصير وتضييق مساحة الملعب.
في ملعب تشيلدرين ميرسي في كانساس، كانت الخطوط المستخدمة في مباريات الدوري الأمريكي لكرة القدم MLS مرئية بوضوح خلال مباراة الثلاثاء بين بيرو وكندا. باختصار.. الحجم الصغير نهج واحد يناسب الجميع في كوبا أمريكا 2024.
متحدث باسم «كونميبول» قال لـ The Athletic: «جميع الملاعب ذات عشب طبيعي.. حولنا العشب الاصطناعي إلى الطبيعي في 6 ملاعب، وكل ملعب تبلغ مساحته 100 م× 64 م».
لكن ستكون الأمور مختلفة عندما تنظم بطولة كأس العالم 2026 في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، إذ يجب أن تتوافق جميع الملاعب مع اللوائح الصارمة التي وضعها الاتحاد الدولي لكرة القدم فيما يتعلق بحجم الملعب وهو 105 م × 68 م «نفس متطلبات الدوري الإنجليزي الممتاز» ولها منطقة حركة كبيرة، وفي بعض الملاعب، يعني هذا أنه يجب إزالة المقاعد القريبة من منطقة اللعب، وتنفيذ أعمال البناء الرئيسة. في الواقع، لقد بدأ العمل بالفعل في ملعب ميتلايف، بتكلفة 16 مليون دولار.
ويوضح لورين ناثان-لارسو، مدير المدينة المضيفة والمستشار العام للجنة المضيفة في نيويورك ونيوجيرسي، قبل أسبوعين «في وقت مبكر من هذه العملية، علمنا أن ملعب ميتلايف، مثله مثل العديد من ملاعب اتحاد كرة القدم الأمريكية الأخرى، تم بناؤه بشكل بيضاوي، بينما يجب أن يكون بشكل أكثر استطالة في ملاعب كرة القدم، لذا نحن بحاجة إلى توسيع أركان ملاعبنا. بدأ العمل في ذلك هذا العام وقمنا بإنجاز جانب واحد في ميتلايف وسنفعل ذلك في الجانب الآخر العام المقبل».
يبدو أن المشكلة ستحل في كأس العالم.. لكن ماذا عن الآن ؟ باختصار، فإن المدربين واللاعبين في كوبا أمريكا بحاجة إلى التكيف مع الأمر.
أبعاد منطقة الجزاء لا يمكن أن تتغير. في الواقع، لا تحتاج إلى أن تكون عالم رياضيات لتكتشف أن المنطقة التي قلصت منها المساحة الأكبر، وبشكل متناسب، هي على الأجنحة «سواء كان هذا الإدراك سيجعل البرازيلي فينيسيوس جونيور يشعر بالتحسن أو لا، بعد أدائه المخيب للآمال ضد كوستاريكا».
ويوضح دوريفال جونيور مدرب البرازيل بعد مباراته الافتتاحية ضد كوستاريا: «إذا ألقينا نظرة على تموضعات لاعبي كوستاريكا، فسنجد أنها كانت سريعة جدًا وهذا طبيعي لأن هذا الملعب أصغر حجمًا، رأسيًا وأفقيًا، وهذا يؤثر على الدفاع ويجعل الهجوم أكثر صعوبة».
وأضاف «حجم الملعب يجعل الدفاع أكثر سهولة بعكس الهجوم، لذا فإن المراقبة المزدوجة تكون أسهل.. عندما كان فينيسيوس يتسلم الكرة، كان يراقبه لاعبان اثنان، مع ثالث قريب منهما.. رافينيا أيضًا عانى من الشيء نفسه».
الإجماع العام هو أن المنتخبات التي تلعب بشكل دفاعي، أو كما أشار لورنزو مدرب كولومبيا، تلك التي تحب الضغط، سوف تستفيد أكثر من مساحة لعب أصغر. وفي الوقت نفسه يبدو من الواضح إلى حد ما أن نقص عرض الملعب لا يفضي إلى لعب كرة قدم هجومية وكل ما يترافق معها.
الكاتب البريطاني أليكس بيلوس قال في كتابه «كرة القدم.. طريقة الحياة البرازيلية»: «أثار الراحل سقراط المخاوف قبل أكثر من 20 عامًا حول الطريقة التي تهيمن بها السمات البدنية على اللعبة الحديثة وتحرمها من الكثير من جمالياتها. وقال إن المساحات بين اللاعبين باتت أصغر نسبيًا. وهذا يسبب المزيد من الالتحامات الجسدية ويجعل من الصعب على اللاعبين القيام بالتحركات.. ونتيجة لذلك، أصبحت كرة القدم أقبح».
كان النجم البرازيلي سقراط رجلًا واسع المعرفة ويفكر بعمق في كرة القدم، وكان لديه الحل: «الحفاظ على حجم الملعب كما هو وتقليل الفرق إلى 9 لاعبين». لكن مهما كان رأيك في اقتراح الدولي السابق، فمن الصعب أن ترى كيف أن 11 لاعبًا في ملعب تقلصت مساحته سيزيد من قيمة المتعة الكروية.
جيو رينا، لاعب خط وسط المنتخب الأمريكي، أجاب عندما سأله موقع The Athletic عن مسألة ضيف الملاعب: «لم أفكر في ذلك حقًا في حتى الآن.. لا يبدو الأمر لي كذلك». ووافقه الرأي زميله في المنتخب ويستون ماكيني «من الواضح أن البعض يهتم بهذا الأمر أكثر، لكن هذا لا يستدعي قلقي». لكن الخطير في أمر كذلك، هو أن البعض سيبدأ في إلقاء اللوم على حجم الملعب عند حدوث أخطاء ما أو تقصير اللاعبين بسبب أدائهم السيئ.
لكن تشعر أن بعض المدربين قد فوجئوا بكل هذا، ولم يكن لديهم سوى القليل من المعرفة عن الأمر. ألفارو، مدرب كوستاريكا، صاحب الخبرة الطويلة، روى قصة بعد مباراة البرازيل ذكر فيها أنه طلب من سائق حافلة المنتخب التأخر قليلًا بعد نهاية المؤتمر الصحافي الذي عقده قبل المباراة لتفقد الملعب لأنه كان قد قرأ للتو عن صغر مساحته.
وقال: «أردت إلقاء نظرة على العشب لمعرفة حالته وأبعاده، ولاحظت أن المساحة صغيرة بين الصندوق والأجنحة.. وهذا مهم جدًا إذا حاولت توسيع لعبك، كما تفعل البرازيل. لذلك دفاعيًا لخط من مكون خمسة لاعبين، كما فعلت كوستاريكا ضد البرازيل، فإن تلك المساحات ستكون أقصر».
كان هناك، بالطبع، طريقة لتجنب كل هذا: لعب المباريات في ملاعب الدوري الأمريكي للمحترفين، حيث لم يكن نقص المساحة يمثل مشكلة على الإطلاق، فبعض الملاعب يبلغ طولها 120 م وعرضها 70 م.
ومع ذلك، فالأمر قد يؤدي إلى تقييد السعة بشكل كبير، وبالتالي انخفاض الإيرادات. لكن على أية حال ستكون كوبا أمريكا بمثابة تجارب حية لملاعب كأس العالم، لحل أي مشكلات تنشأ داخلها».
رودريجو مهاجم المنتخب البرازيلي علق قائلًا: «إنه موضوع معقد.. لقد لاحظنا ذلك بالتأكيد، ونحاول التعود عليه في أسرع وقت ممكن في التدريبات. في المباراة التجريبية ضد الولايات المتحدة قبل كوبا أمريكا، لم تكن هناك مساحة كبيرة. أنا أحب إيجاد الثغرات بين الخطوط، لكن هذا لم يكن ممكنًا هنا، كان منافسونا قريبين دائمًا، لكننا اعتدنا على ذلك، وسنجد الطريقة المناسبة للتعامل مع المشكلة».