بشيءٍ من الاعتباراتِ الخاصَّةِ، أنظرُ إلى كلِّ أصدقائي وزملائي ومعارفي الذين يشجِّعون المنتخبَ الإيطالي الأزرقَ.. أحسبهم يحملونَ جيناتٍ متمايزةً عن سواهم.. مزاجٌ مرتَّبٌ، وعاطفةٌ أنيقةٌ، ونظرةٌ مختلفةٌ لفلسفةِ العلاقةِ مع كرةِ القدمِ.. المرتبطونَ مع ذاك الأزوري الساطعِ، لا يشبهون عشَّاقَ البرازيلِ، أو الأرجنتين، أو الإنجليزِ، أو غيرهم.. لارتباطهم هذا مبرِّراته التي يخالفونَ بها الملايين.. في مونديالِ 1982، أصابت إيطاليا العالمَ كلَّه بالصدمةِ، وهي تزيحُ أعظمَ أجيالِ المنتخبِ البرازيلي عن المنافسةِ الصاخبةِ، حينما هزمَتهم تحت الشمسِ الأندلسيَّةِ في ذكرى يومٍ حزينٍ على مَن يحبُّ الكرةَ الهجوميَّةَ، والارتدادَ السريعَ، والمهارةَ، والقدراتِ الفرديَّة.. كان مشهدًا مأساويًّا، وسقراط وزيكو وفالكاو وجونيور وبقيَّةُ الفرقةِ الماسيَّةِ، يغادرون أرضَ ملعبِ إسبانيول البرشلوني، يغشاهم الحزنُ، وتحرسهم الكآبةُ، فيما المشجِّعون في المدرَّجاتِ، يلتزمونَ صمتَ القبورِ، وكأنَّ على رؤوسهم الطيرُ.. كانت تلك المعركةُ، التي انتصرَ بها الطليانُ بثلاثيَّةِ باولو روسي، كافيةً ووافيةً ليصبحَ المنتخبُ الأزرقُ الأكثرَ كراهيةً حول العالمِ.. لقد حرموا الناسَ المحايدين والمنصفين والمستمتعين من أيامٍ مشرقةٍ بالإبداعِ، وأوقاتٍ احتفاليَّةٍ مزلزلةٍ، ولحظاتٍ، بدت فيها كرةُ القدمِ مثل أغنيةٍ ساهرةٍ، ترافقُ النجومَ حتى مطلعِ الفجرِ.. حينما أطلقَ الحكمُ صافرةَ النهايةِ، وغادرت البرازيلُ البطولةَ من دورِ الثمانيةِ، قاطعَ الكثيرون مشاهدةَ المونديالِ، كما أثيرَ في تلك الأيامِ.. عنونت إحدى الصحفِ الإنجليزيَّةِ الهزيمةَ البرازيليَّةَ المؤلمةَ بقولها: «يومُ وفاةِ كرةِ القدم».. كان وصفًا دقيقًا للغايةِ.. كانت حالةُ وفاةٍ، والمتوفَّى ماتَ مقتولًا، والقاتلُ حرٌّ طليقٌ، ينعمُ بالحريَّةِ، ويوزِّعُ ضحكاتِه في كلِّ مكانٍ.. طالما هناك مقتولٌ، فالطبعِ هناك قاتلٌ.. القتيلُ هو كرةُ القدمِ التي يُعدُّ ممثِّلها الشرعي المنتخبُ الأصفرُ، والقاتلُ هو 11 إيطاليًّا.. من هنا يمكنُ فهمُ معنى أن تتمحورَ صورةٌ قبيحةٌ في العقولِ الباطنةِ تجاه الطليانِ.. من الطبيعي أن تُحاصرهم البغضاءُ جيلًا بعد آخرَ.. يقولُ سقراط، القائدُ البرازيلي في تلك المباراةِ، بعد سنواتٍ من الهزيمةِ: «لم أستطع مشاهدةَ المواجهةِ مرَّةً ثانيةً.. لا أريدُ أن أموتَ مرَّةً ثانيةً».. فيما قالَ زيكو، أحدُ نجومِ المونديالِ الإسباني، قبل أعوامٍ قليلةٍ: «هزيمتنا أمامَ إيطاليا في كأسِ العالم 1982 غيَّرت كرةَ القدمِ إلى الأبدِ، فلو انتصرنا، وهذا هو المفروضُ، لأصبحت الأنديةُ والمنتخباتُ تتسابقُ لتطبيقِ التكتيكِ الهجومي، الذي يمثِّلُ الوجه الحقيقي لكرةِ القدمِ، لكنَّ إيطاليا انتصرت، فأصبح المدرِّبون، يبحثون عن النتيجةِ والفوزِ بأي وسيلةٍ، وأي طريقةٍ، كما فعل الطليان أمامنا»!!
التاريخُ الكروي الإيطالي، لا يضعُ ميزانًا موثوقًا لأهميَّةِ الحساباتِ والمعادلاتِ.. الطليانُ كسبوا كأسَ العالمِ أربعَ مرَّاتٍ.. هذا يعني أنهم أسيادُ الكرةِ في أوروبا.. هذا ليس صحيحًا.. فازت إيطاليا بكأسِ القارةِ العجوزِ مرَّتين فقط، بينهما أكثرُ من 50 عامًا.. الذي ينتصرُ باللقبِ العالمي، يُفترَضُ أن يكون رقمًا ثابتًا في الحسبةِ القاريَّةِ.. إيطاليا بكلِّ جبروتها وقوَّتها ومتانةِ مخزونها الكروي العميقِ، تفشلُ في بلوغِ نهائياتِ كأسِ العالمِ، وأيضًا تعجزُ عن التأهلِ إلى النهائياتِ الأوروبيَّة.. تدخلُ التصفياتُ وهي حاملةُ اللقبِ، ثم تصطدمُ بواقعٍ غريبٍ، يبعدها تمامًا عن الكبارِ.. تخسرُ أيضًا أمامَ منتخباتٍ أقلَّ منها تصنيفًا وخبرةً ونجوميَّةً وبمسافاتٍ طويلةٍ.. هزمتها كوريا الجنوبية في مونديالِ 2002 مما عُدَّ حينها واحدةً من أكبر مفاجآتِ المونديالِ.. في أوروبا تفعلُ الأشياءَ الخاطئةَ التي لا ينتظرها أحدُ.. تأتي اليوم إلى أوروبا، وهي تحملُ بين أيديها اللامعتَين اللقبَ.. فازت في آخرِ بطولةٍ داخلَ ملعبِ ويمبلي اللندني الشهيرِ.. كانت أوروبا تستعدُّ لتزفَّ الإنجليزَ إلى العرشِ إنصافًا لمثابرةِ جمهورهم المشاغبِ، المزدحمِ بحلمٍ طالَ انتظاره.. كان الإنجليزُ على يقينٍ أن الكأسَ في أحضانهم بعد 90 دقيقةً فقط.. ما كان أحدٌ غير الإيطاليين والكارهين للكرةِ الإنجليزيَّةِ، يريدون أن تذهبَ الكأسُ إلى روما.. لكنْ، ولأن الطليانَ وحدهم يعرفونَ مخالفةَ طبيعةِ الأشياءِ، كانت كلُّ الطرقِ تؤدي إلى روما.. ذهبت المباراةُ للترجيحِ، وفازت إيطاليا، وتجرَّعت لندن بضبابها وشوارعها وعراقتها الموتَ الأسودَ.. لو واجه الإنجليزُ أي خصيمٍ غير إيطاليا لربما كان الفوزُ إليهم أقربَ من حبلِ الوريد.
اليوم يأتون إلى الديارِ الألمانيَّةِ، وعلى الرغمِ من أنهم يتوشَّحون بالذهبِ الأخيرِ إلا أنهم أقلُّ الكبارِ تسلُّحًا بالترشيحاتِ.. هذا مؤشِّرٌ جيدٌ بالنسبةِ للطليانِ أنفسهم.. لا يتعاطون مع الشيءِ وواقعه.. فريقٌ تشكَّل عبر تاريخه الطويلِ بسياجٍ من الغرائبِ والمواقفِ التي تتنازعُ مع المألوفِ.. إيطاليا ليست مرشَّحةً.. جهِّزوا المنصَّة الزرقاء..!!
التاريخُ الكروي الإيطالي، لا يضعُ ميزانًا موثوقًا لأهميَّةِ الحساباتِ والمعادلاتِ.. الطليانُ كسبوا كأسَ العالمِ أربعَ مرَّاتٍ.. هذا يعني أنهم أسيادُ الكرةِ في أوروبا.. هذا ليس صحيحًا.. فازت إيطاليا بكأسِ القارةِ العجوزِ مرَّتين فقط، بينهما أكثرُ من 50 عامًا.. الذي ينتصرُ باللقبِ العالمي، يُفترَضُ أن يكون رقمًا ثابتًا في الحسبةِ القاريَّةِ.. إيطاليا بكلِّ جبروتها وقوَّتها ومتانةِ مخزونها الكروي العميقِ، تفشلُ في بلوغِ نهائياتِ كأسِ العالمِ، وأيضًا تعجزُ عن التأهلِ إلى النهائياتِ الأوروبيَّة.. تدخلُ التصفياتُ وهي حاملةُ اللقبِ، ثم تصطدمُ بواقعٍ غريبٍ، يبعدها تمامًا عن الكبارِ.. تخسرُ أيضًا أمامَ منتخباتٍ أقلَّ منها تصنيفًا وخبرةً ونجوميَّةً وبمسافاتٍ طويلةٍ.. هزمتها كوريا الجنوبية في مونديالِ 2002 مما عُدَّ حينها واحدةً من أكبر مفاجآتِ المونديالِ.. في أوروبا تفعلُ الأشياءَ الخاطئةَ التي لا ينتظرها أحدُ.. تأتي اليوم إلى أوروبا، وهي تحملُ بين أيديها اللامعتَين اللقبَ.. فازت في آخرِ بطولةٍ داخلَ ملعبِ ويمبلي اللندني الشهيرِ.. كانت أوروبا تستعدُّ لتزفَّ الإنجليزَ إلى العرشِ إنصافًا لمثابرةِ جمهورهم المشاغبِ، المزدحمِ بحلمٍ طالَ انتظاره.. كان الإنجليزُ على يقينٍ أن الكأسَ في أحضانهم بعد 90 دقيقةً فقط.. ما كان أحدٌ غير الإيطاليين والكارهين للكرةِ الإنجليزيَّةِ، يريدون أن تذهبَ الكأسُ إلى روما.. لكنْ، ولأن الطليانَ وحدهم يعرفونَ مخالفةَ طبيعةِ الأشياءِ، كانت كلُّ الطرقِ تؤدي إلى روما.. ذهبت المباراةُ للترجيحِ، وفازت إيطاليا، وتجرَّعت لندن بضبابها وشوارعها وعراقتها الموتَ الأسودَ.. لو واجه الإنجليزُ أي خصيمٍ غير إيطاليا لربما كان الفوزُ إليهم أقربَ من حبلِ الوريد.
اليوم يأتون إلى الديارِ الألمانيَّةِ، وعلى الرغمِ من أنهم يتوشَّحون بالذهبِ الأخيرِ إلا أنهم أقلُّ الكبارِ تسلُّحًا بالترشيحاتِ.. هذا مؤشِّرٌ جيدٌ بالنسبةِ للطليانِ أنفسهم.. لا يتعاطون مع الشيءِ وواقعه.. فريقٌ تشكَّل عبر تاريخه الطويلِ بسياجٍ من الغرائبِ والمواقفِ التي تتنازعُ مع المألوفِ.. إيطاليا ليست مرشَّحةً.. جهِّزوا المنصَّة الزرقاء..!!