تيرزيتش.. تلميذ كلوب وبيليتش.. من مدرجات دورتموند إلى نهائي الأبطال
شق فريق دورتموند الأول لكرة القدم طريقه نحو المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا، للمرة الثالثة في تاريخه، بعد فوزه ذهابًا وإيابًا على باريس سان جيرمان في نصف النهائي، في نتيجة حملت طابعًا مفاجئًا، خاصة أن الفريق الباريسي بنجومه كان مرشحًا بارزًا لتجاوز هذه العقبة، وأن دورتموند عانى كثيرًا في المسابقات المحلية الموسم الجاري، لكنه طبّق العبارة الشهيرة «المستحيل ليس ألمانيًا»، وتحديدًا عبر مدربه إدين تيرزيتش، الذي وقف أمام مطبات وتحديات كثيرة في حياته ومسيرته المهنية، إلى أن اقترب من كتابة المجد.
وكان تيرزيتش قد وُلد في مدينة ميندين الواقعة على نهر الرور في ألمانيا، فحصل على الجنسية الألمانية، لكن أصوله تعود إلى شرق أوروبا، إذ هاجر والده البوسني ووالدته الكرواتية من يوغوسلافيا إلى ألمانيا قبل أعوام قليلة من ولادته، فترعرع هناك وبدأ تعلقه بكرة القدم في سن صغيرة، إلا أن موهبته لم تكن فذة، ليقرر متابعة دراسته الجامعية، وصولاً إلى حصوله على شهادة في العلوم الرياضية من جامعة الرور في بوخوم.
واقتصرت مسيرة تيرزيتش على ما يمكن وصفه بـ «اللاعب المغمور» في «الأندية المغمورة»، إذ لعب لـ 6 أندية أبرزها في الدرجة الرابعة في ألمانيا، واعتزل عام 2013، ولو أنّه بدأ نشاطه التدريبي عام 2010، عبر تعيينه مساعدًا لمدربي فرق الفئات السنية في دورتموند بين 2010 و2013، إضافة لتوليه منصب كشّاف اللاعبين لدى النادي في الفترة نفسها، إذ كان يقدّم المعلومات والاقتراحات ليورجن كلوب، مدرب الفريق الأول حينها، وتأتي أسماء روبرت ليفاندوفسكي، وإلكاي جوندوجان، وماركو رويس، وإيفان بيريزيتش، على رأس قائمة اللاعبين الذين طرحهم فريق الكشافين في تلك الفترة.
وبعد محطته مع كلوب، بنى تيرزيتش علاقة وطيدة مع سلافن بيليتش، مدرب الاتحاد السابق ومدرب فريق الفتح حاليًا، إذ كان الأخير مدربًا للمنتخب الكرواتي عندما قدّم له تيرزيتش تحليلًا لافتًا عن المنتخب الإيرلندي قبل لقاء الفريقين في يورو 2012. وانتقل بيليتش في موسم 2012ـ2013 لتدريب نادي لوكوموتيف موسكو الروسي، وحاول تعيين تيرزيتش مساعدًا له، لكن الخطوة لم تتم، إلا أن رغبته تحققت عام 2013 بعد انتقاله إلى بيشيكتاش التركي، فعمل تيرزيتش مساعدًا له بين 2013 و2015، وكررا التجربة سويًا مع وست هام الإنجليزي بين 2015 و2017.
وبدأ بعد ذلك طموح تيرزيتش بأن يكون له مسيرته الخاصة مدربًا، فاستخرج شهادة التدريب الأعلى من الاتحاد الأوروبي عام 2018 بعد دراسة لمدة 18 شهرًا مع الاتحاد الإنجليزي، وعاد إلى ألمانيا ليعمل مساعدًا للمدرب لوسيان فافر في دورتموند، وحصل على فرصته بعد إقالة فافر في الشطر الثاني من موسم 2020ـ2021، فاستلم تيرزيتش منصب المدرب بشكل مؤقت، واستغل الفرصة بأفضل طريقة، إذ قاد دورتموند للفوز بكأس ألمانيا، لكن إدارة النادي أدارت ظهرها له، ولم تمنحه عقدًا طويلًا، وتعاقدت مع ماركو روزة لتدريب الفريق في موسم 2021ـ2022، ليستلم تيرزيتش منصب المدير التقني.
وحصل تيرزيتش على فرصة أخرى في الموسم الماضي، إذ عُيّن مدربًا لدورتموند، خلفًا لروزة، وبعقد طويل يمتد حتى 2025 هذه المرة، لكن موسمه كان مليئًا بالمرارة، لا سيما خسارته لقب الدوري الألماني في الدقائق الأخيرة من الجولة الأخيرة، وبفارق الأهداف عن بايرن ميونيخ.
وعلى الصعيد المحلي، لم يكن الموسم الجاري أقل مرارة بالنسبة لدورتموند وتيرزيتش، فالفريق كان بعيدًا كل البعد عن المنافسة، لكن مسيرة تيرزيتش علّمته كيف يحوّل الألم إلى أمل، فهو كان في مدرجات دورتموند مشجعًا مع الجماهير عندما تُوّج الفريق بلقبه الأخير في البوندسليجا، لكنه اليوم يستعد لكتابة مجد أكبر بنفسه، على أكبر مسارح كرة القدم، وفي أقوى وأشهر مسابقات الأندية، فهو قاد دورتموند لنهائي دوري الأبطال، فيما يشبه «المعجزة»، بعد تصدره لمجموعة الموت، وإقصائه أيندهوفن وأتلتيكو مدريد، ومن ثم باريس سان جيرمان، والهدف المقبل هو المجد في ويمبلي، واللقب التاريخي الثاني للكتيبة الصفراء.