مدرب الرياض.. «صرخ لن أموت».. ثم عاش مرعوبا من السفر
بأمّ عينه، رأى الموت يتجوّل داخل حافلة فريق برازيل دي بيلوتاس.. أزهق أرواح 3 من زملائه.. أمّا هو فقاومه بشدة.. صرخ في وجهه «لن أموت.. لن أموت».. والآن، وعلى الرغم من مرور 15 عامًا على تلك الليلة الليلاء، لا تزال الذكرى تلاحقه من البرازيل إلى قلب العاصمة السعودية.
في 15 يناير 2009، قبل انتصاف الليل بأقل من ساعة، انسابت حافلة فريق برازيل دي بيلوتاس على الطريق، وفي جوفها أودير هيلمان ورفاقه، عائدة من مواجهة تجريبية مع سانتا كروز، بعدما تناولوا وجبة عشاء كانت ضرورية لتلبية نداء الجسد المنهوك من مجهود المباراة.
وبينما كان هيلمان، الذي يترأس حاليًا الجهاز الفني لفريق الرياض، جالسًا على ذراع أحد المقاعد، وإلى جواره المهاجم الأوروجوياني كلاوديو ميلار، انفجرت فجأة صرخة مذعورة من مقدّمة الحافلة، هاتفة بالتياع «إنها تستدير، سوف تنقلب!!».
انكمش البرازيلي في مكانه، وشعر، كما وصف بنفسه لاحقًا، كأنه يتعرض للضرب من مجموعة أشخاص.. دارت الحافلة وهو يصعد ويهبط.. كرّر القول مئة مرة: «لن أموت.. لن أموت».
وبالقرب من مدينة كانجوتشو في ولاية ريو جراندي دو سول، الواقعة جنوب البرازيل، سقطت الحافلة التي كانت تقلّ 31 شخصًا.. انتهى بها المطاف عند حافة أحد الجسور.. وفوق أرضية رطبة استلقت وسط الأنين والصرخات والدموع.
«أنقذني يا دانرلي، افعل أي شيء لتخرجني من هنا» صاح هيلمان وهو يتضرّع إلى زميله حارس المرمى، كي ينتشله من الحافلة المنكوبة، وبالكاد نجح الأخير في مهمّته.
«لقد انفجر مكيف الهواء وأحدث ضجيجًا فظيعًا، لذا كان أول شيء فكّرت فيه هو أن كل ما حولي سينفجر. لم أمت بسبب الانقلاب، لكني سأقضي في الانفجار، هكذا قلت لنفسي.. نظرت إلى الضوء المنبعث من هاتف دانرلي، وتوسلت إليه لإخراجي».
أودت المأساة بحياة الهدّاف ميلار، والمدافع ريجيس، إلى جانب جيوفاني جيمارايش، مدرب حراس المرمى، أما هيلمان، فتعرض لإصابة في الظهر كانت، وعلى الرغم من شدّتها، أهون بكثير إذا ما قورنت بالعقدة النفسية التي نبتت بداخله بعد الحادث.
ظل لاعب الوسط طريح الفراش 4 أشهر بعد الحادث، يعاني تبعات الإصابة، لا يستطيع التحرك إلا بمساعدة أفراد أسرته، وفي أكتوبر قرر، وباقتناع كامل، التوقف عن ممارسة الكرة، لتكون مباراة تلك الليلة المشؤومة بمثابة ستارة الختام لمسيرته الاحترافية.
منذ تلك اللحظة تغيّرت حياته، أصبح قلقًا من ركوب الحافلات، ويشعر باختلالات جسدية أثناء السفر خاصةً حين يجن عليه الليل.
«لم أكن أخاف السفر أبدًا، لكن بعد الحادث بدأت يدي تتعرّق، وينتابني الغثيان، وأشعر بوجود شيء غريب في معدتي كلما سافرت. ذات مرة، عندما كنت عائدًا من تشابيكو «بلدة برازيلية»، اعتقدت أنني سأموت. كان الوقت ليلًا، وسائق الحافلة يسير بسرعة كبيرة جدًا، لم أستطع التحمل، طلبت منه النزول في كارازينيو «مدينة داخل ريو جراندي دو سول»، ونمت في أحد الفنادق، وصباح اليوم التالي واصلت رحلتي».
بعدما اعتزل وهو ابن الـ 32، امتهن هيلمان التدريب، وأول وظيفة نالها كانت مع فئة تحت 17 عامًا في نادي إنترناسيونال، بعد ذلك صعّده دونجا، النجم الدولي السابق، ليساعده ضمن الطاقم الفني للفريق الأول.
وظلّ يتنقل داخل النادي، بين مناصب المساعد، والمدرب المؤقت، والدائم، لفترة دامت نحو 9 أعوام، تخللتها تجربة قصيرة ضمن الجهاز الفني لمنتخب بلاده الأولمبي في 2016، قبل الانتقال لفلومينينسي، ثم للوصل الإماراتي، وبعده عاد إلى البرازيل من بوابة سانتوس، وأخيرًا حطّ رحاله في الرياض، أكتوبر الماضي.
يقفز هيلمان من بلد إلى آخر، يُلقي بجسده داخل السيارات والحافلات والقطارات والطائرات، لكن تبقى ندبة 2009 ماثلة أمامه، تذكّره، كلما تناسى، بعقدته التي لا يبرأ منها أبدًا.