عندي قناعة أن معظم الناس اليوم لا يعانون من قلة الناصحين، لأن النصائح موجودة في كل مكان، حتى أنا في أوقات ما كنت شخصًا يوزع النصائح، كنت عندما أقطع التدخين مدة أقوم بنصح زملائي بالامتناع عنه، أسهب بالحديث عن أضراره بشكل يومي، لا أشاهد أحد زملائي ممسكًا بسيجارته حتى أذهب إليه وأرجوه أن يتوقف وأن يستثمر في صحته، لكني لا أصمد طويلًا حتى يشاهدوني وأنا أدخن سيجارة فترتفع ضحكاتهم. تكررت نصائحي لهم مع تكرار توقفي عن التدخين، لكنهم في المرات الأخيرة كانوا يضحكون أثناء نصحي لهم، وكانوا يشيرون للمكان الذي سيشاهدونني فيه بعد مدة وأنا أدخن، وكانوا يرددون ما سأقوله من كلمات انهزامية كعادتي بعد العودة للتدخين. كنت عندما يرتفع وزني وأصبح بصورة رسمية صاحب كرش أقوم بعمل ريجيم ترافقه تمارين رياضية قاسية، وما أن أصل للوزن المثالي أبدأ بإلقاء النصائح عليهم، ولأنهم أصغر سنًا كنت ألومهم على زيادة وزنهم وملامح كروشهم البادية. كانوا في البداية يستقبلون نصائحي بود، لكنهم وبعد أن يشاهدوا ارتفاع وزني من جديد وعودتي لما كنت عليه قبل الريجيم، وتكرار ذلك أكثر من مرة، صاروا يضحكون في كل مرة أحاول أن أقنعهم بممارسة الرياضية وتخفيف الوزن الزائد. لم أنجح يومًا في إقناع زميل بالامتناع عن التدخين، ولم أنجح في إقناع أحدهم بممارسة الرياضة. اليوم لا تكاد تفتح تويتر أو الإنستجرام حتى تقرأ أو تشاهد من يقدم لك نصيحة، وأقل واحد فينا تمر عليه في اليوم عدة نصائح. تقديم النصيحة أصبح محتوى يوميًّا عند بعض أصحاب الحسابات. ولا أرى في ذلك أي سلبية، كل الكلام الطيب والخيّر فيه فائدة. لكن الناس ليسوا بحاجة للاستماع للنصائح بقدر حاجتهم للمقدرة على تنفيذها بشكل مستمر. الحقيقة أن النصائح موجودة منذ الأزمنة القديمة، وكانت مشكلة الإنسان معها طوال الزمن في المقدرة على التنفيذ لا في المقدرة على الاستماع أو الحفظ. الإنسان الذي يعاني من الوزن الزائد يعلم أن السمنة مضرة، لكنه يحتاج للمحفز المستمر الذي يجعله يحرق سعرات حرارية أكثر من التي يتناولها، محفز يجعله يركض عدة كيلو مترات في اليوم بعد أن كان يتكاسل صعود السلم أو المشي عشرات الأمتار. نحن بحاجة لتعلم استخراج القوة وإبقائها قوية، هذا ما نحتاجه أو أحتاجه أنا.