أُحب أكل البيت مهما كان لبعض المطاعم شهرة، ومهما كان الطباخون ماهرون، من مكونات طعم أكل البيت الراحة والثقة في اليد التي أعدته. لكن هذا لا يمنع من زيارة المطاعم سواء مع الأهل أو الأصدقاء. في أحد الأيام تعرفت على جرسون عمل سنوات طويلة في المطاعم. واعتدت عندما أتعرف على شخص يعمل في مهنة لا أعرف خباياها أبدأ بطرح الأسئلة عليه، أتعرف على نظرته القريبة من المهنة وحكاياتها. حكى لي عن تجربته في التعامل مع الزبائن، قال إن الزبون على الأغلب قبل تناول الطعام شيء وبعده شيء آخر. الزبون الجائع جدًا قنبلة موقوتة قد تنفجر غضبًا إذا ما تأخر الطعام، أو إذا اعتقد بأن الطعام قد تأخر، فالوقت على الجائع لا يمر كما على الشبعان، وصاحب المطعم الشاطر هو من يضع سريعًا بعض المقبلات المجانية قبل وصول الوجبة، ولا يُعد هذا كرمًا إنما تكتيكًا. الزبون الجائع جدًا يتحول إلى حمامة سلام بعد تناول طعامه، ويظهر الكثير من الود للعاملين في المطعم. من مواصفاته أثناء الجوع أنه لا يكثر من الكلام، ينظر بحدة، شحيح الابتسامة. قال بأن الرجل الذي بصحبته امرأة يكون أكثر تهذيبًا وكرمًا، خصوصًا إذا لم تكن زوجته. يضيف صاحبنا أن جميع الرواتب التي استلمها من المطاعم التي عمل بها كانت ضعيفة، حتى في بعض المطاعم التي عليها الكلام. أما الفائدة فكانت من الإكراميات (البقشيش). لقد كان البقشيش هو فائدتنا الحقيقية، والبقشيش لا يتوقف على حسن الخدمة فقط، بل على لذة الطعام الذي يُعده الطباخ، لذا كنا نحن الجرسونات نتمسك بالعمل في المطعم الذي لديه طباخ ماهر، لأنه كان مفتاح البقشيش، وكنا بالطبع لا ننسى أن نقاسمه شيئًا مما نحصل عليه. أضاف أن عمله كجرسون لسنوات علَّمه أشياء كثيرة تتجاوز حدود المطاعم وتصل إلى طبيعة الإنسان وأطباع المجتمعات، لقد كانت مساحة المطعم أشبه بمجتمع صغير. مما قاله إن شكل الجرسون يؤثر تأثيرًا كبيرًا في نيل رضا الزبون والحصول على الإكرامية. يقول بأن أحد الجرسونات كان وسيمًا مثل نجوم السينما، كان أنيقًا، وكان يحصل على أعلى الإكراميات. يقول بأن هذا من تأثير سلطة الوسامة أو الجمال عمومًا. لاحظ أحد الجرسونات ممن لا يملكون من الوسامة شيئًا مع ضعف في بنيته الجسدية أن من كان يناوله الإكراميات السخية كانوا من كبار السن، ربما كانوا يعطفون عليه من نظرة أبوية. لذا صار يتخصص في خدمة الكبار من السن. الجرسون واجهة المطعم الحقيقية، بالنسبة لي أحببت الجرسون المصري لخفة دمه، الجرسون الإنجليزي جاد ومهني، الجرسون الفرنسي يظن نفسه نابليون بونابرت!.