بندر بن محمد.. نقش مُذهّب لا يصدأ في قلوب الهلاليين
لأن الذهب لا يصدأ على مدى الزمان، فكذلك هناك أسماء تبقى مذهّبة في ذاكرة عشاق الزعيم الأزرق والمدرجات السعودية، لتكون عصية على النسيان باقية في الوجدان مهما توارت عن الأنظار، ويعدّ الأمير الراحل بندر بن محمد أحد الذين نقشوا اسمائهم بتلك المداد المذهّبة، بفضل ما قدمه من إرث تبوأ به عرش قلوب المعجبين قبل المنافسين في مختلف جبهات المنصات الكروية.
في يوم الأربعاء الثالث عشر من ديسمبر 2023، فجع الوسط الرياضي بوفاة الأمير بندر بن محمد الشرفي الهلالي الكبير الرجل الذي أجمع على محبته الكثير بسبب ما عرف عنه من الصفات الحميدة ومثل فقدانه أكبر حزن وأسى في نفوس الرياضيين وجميع من عرفه، فقد كان طيب المعشر دمث الأخلاق نقي السريرة وذو خلق رفيع يسعى بين الناس بالخير، مهموماً بخدمتهم وحل قضاياهم المختلفة، لذا ظل محبوباً من الجميع، وعاش متواضعاً شهماً وذو مروءة وعطف وكرم ونبل.
أبصر الأمير بندر بن محمد النور في العام 1953، وعاش طفولته في كنف والده الأمير محمد بن سعود الكبير الشهير بلقب "شقران" الذي لقبه به خاله المؤسس الملك عبد العزيز لشجاعته ولاصفرار لون شعره.
تعلم الأمير بندر الكثير من والده وعايش العديد من المواقف مع أبيه زرعت في نفس الطفل الصغير العديد من القيم الأخلاقية التي تمرس عليها مع مرور الزمن، وأضحت كجلبابه الذي لا يرغب في استبداله طوال حياته، بل يحرص على تهذيبه وتجميله ببعض الزخارف البهية التي تتناسب مع أثره في مساحات الحياة.
نشأ الطفل وهو يتعلم بالمعايشة والمواقف العملية التي حرص أن يكون فيها جزء من الذكريات، وسرى عشق الهلال في شريان الأمير بندر بن محمد منذ سنوات طفولته، وتمنى أن تقفز به الأعوام حتى يستطيع التحول من مرحلة المشجع العاشق، ويترجم حبه للكيان الأزرق بالعمل على استمراره التألق والبروز على صعيد الكرة السعودية، وكان العام 1980 بداية انتقاله إلى المرحلة العملية بعد أن قرر خدمة معشوقه الأزرق عملياًاواستطاع تأسيس أول مدرسة كروية تهتم بالفئات العمرية في نادي الهلال ودعمها بالعديد من الأسماء العالمية الخبيرة في تأسيس اللاعبين الشبان مثل اليوغسلافي بروشتش.
كانت حنكة الأمير بندر وعقليته الخبيرة ونظرته الرياضية المتمرسة سببًا في ريادة أزرق العاصمة الذي كان حينها يواجه صعوبة في مجابهة خصمه وجاره النصر المدجج بالنجوم الكبار أمثال ماجد عبدالله ويوسف خميس ومحيسن الجمعان والبقية الذين استطاعوا منافسة الهلال على تسيد الساحة الكروية السعودية حقبة الثمانينيات الميلادية.
في العام 1996 تولى الأمير بندر بن محمد رئاسة الهلال، واستطاع أن يحصد ثمار المدرسة الكروية التي أنشأها مطلع الثمانينيات، والتي تخرج منها لاحقاً العديد من نجوم الكرة السعودية الذين قادوا الأزرق إلى منصات الذهب مرات ومرات، وصار اسم الهلال مرتبطاً بالذهب والمنصات بفضل دهاء بندر بن محمد الذي أنهى حقبته الرئاسية متوجا بـ9 ألقاب من بينها كأس المؤسس، مسجلاً اسمه بحروف من ذهب في تاريخ القلعة الزرقاء.
رغم ابتعاده عن الرئاسة لم يستطع العاشق الهلالي أن يتوقف عن متابعة معشوقه الأزرق، وكان حاضراً في الأوقات جميعها مسانداً لكافة الرؤساء الذين أعقبوه في كرسي الرئاسة، وكانت تصريحاته وممازحته مع خصوم الهلال ودفاعه الشرس عن معشوقه أمامهم مثار إعجاب المنافسين قبل المحبين بفضل المحبة التي زرعها الأمير بندر في قلوب الجماهير الرياضية عموما والهلالية خصوصا.
في منتصف بداية الألفية الثالثة كانت حمى التنافس مشتعلة بين الهلال والاتحاد برئاسة منصور البلوي الرئيس التاريخي في أصفر جدة وصانع أمجاده في العقد الجديد، وكانت مشاكساته وممازحته مع الأمير بندر بن محمد الرمز الهلالي فاكهة الصحافة الرياضية في تلك الفترة، والتي تبادلا خلالها التصاريح النارية المدوية التي كانت تنتظرها الجماهير على أغلفة الصحف الرياضية في اليوم التالي.
ولا ينسى الرياضيون عموماً وأنصار الهلال والاتحاد التصريح الشهير الذي أطلقه الأمير بندر بن محمد في حواره مع صحيفة الرياضية مع الزميل ماجد التويجري قبل إحدى مواجهات الكلاسيكو الحامية التي جمعت الفريقين في تلك الحقبة حين قال: «سنهزم الاتحاد باللاعب الخفي» وأثار التصريح عاصفة من ردود الفعل لم يمح آثارها حتى اليوم إذا يتساءل الجميع من هو اللاعب الخفي الذي أشار إليه الرمز الهلالي في تصريحه الشهير.
وبعد مرور قرابة العقدين على ذلك التصريح يكشف الزميل ماجد التويجري أن الأمير الراحل كان يقصد باللاعب الخفي هو "الخوف" الذي يشعر به خصوم الهلال أثناء مواجهته حتى وإن كانوا هم الأقوى والأفضل على الصعيد الفني لذلك كان يراهن عليه في جميع النزالات، وخصوصاً تلك التي كانت تجمعهم بالاتحاد في تلك الحقبة.
في الجانب الآخر، كانت مماحكات ومداعبة الأمير بندر بن محمد مع النصراويين الطرف المنافس لفريقه في الرياض العاصمة لم تخل من الطرافة والفكاهة، حيث يقول طلال الرشيد الشرفي النصراوي السابق عن الأمير الراحل: "كانت مداعبته وتصريحاته الجميلة ملح الرياضة، كيف لا وهو الشخص صاحب القلب الطيب الذي أحبه الجميع متسامحاً كريماً مع المسيئين إليه، عطوفاً حنوناً على الصغير قبل الكبير، مسايراً ملاطفاً مع الجميع، فأحبوه وبادلهم حباً بحب رغم اختلاف الميول".
بعد رحيل الرمز الهلالي الكبير يتمنى أنصار الأزرق أن يجود لهم الزمن بعاشق محب للكيان يبذل الغالي والنفيس في خدمته بعيداً عن الأهواء والمصالح الشخصية على خطى الفقيد الذي يعد نموذجاً للعاشق الذي كان يبذل ماله ووقته بغير حساب في سبيل رؤية معشوقه يناطح السحاب، مستشهداً بالبيت العربي الشهير "ليس الكريم الذي يعطي عطيتَهُ على الثناء، وإن أغلى به الثمنا، بل الكريم الذي يعطي عطيته لغير شيء سوى استحسانه الحسنا".