حمدالله.. النصر.. نار تحت الرماد
لا تصدقْ ضرورةَ أن تكون النهاياتُ دائمًا سعيدة وباذخة الجمال، في قصص الروايات أو في الأفلام السينمائية كذلك هي في ملاعب كرة القدم، لا تنتهي على ما يشتهيه أبطالها، وكانت قصة نهاية علاقة المغربي عبد الرزاق حمد الله مع نادي النصر أحد تلك النهايات التي لم يكن يحلم بها أو على الأقل يتمناها الكثير من أنصار المدرج الأصفر.
مشاهد حكاية التفاصيل المتناقضة ظهرت نوفمبر الماضي، بأكثر الصور غرابة، دون سابق إنذار، تعلن إدارة نادي النصر، إنهاء العلاقة التعاقدية مع المغربي عبد الرزاق حمد الله، مهاجم فريقها الأول لكرة القدم في النادي، مبررة قرارها بأنه تم بسبب قانوني مشروع وبحسب لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، مشددة أنها تحتفظ بجميع الحقوق المالية والقانونية المترتبة على ذلك أمام الجهات القضائية المختصة.
3 أعوام وعليها أيام أُخر، تطلبتها رواية حمد الله والنصر لينسكب حبر السطر الأخير في كتاب جمع الأضداد، وشكلت صفحاته القوة والضعف، الحضور والغياب، الأضواء والرحيل، وكانت شرارة انقسام كبير دام عدة أسابيع حول صواب القرار الذي لم يمر مرور الكرام على الساحة النصراوية.
اللحظات الملاح والليالي الحالمة، حمد الله على الأعناق مع هتافات العشاق، والحروف المنهمرة إشادة من أقلام المحبين، وتسابق المناصرين للهداف المغربي في رثاء رحيله وتوديعه بأعذاب الكلمات التي ألقت اللوم على الإدارة في التفريط بالهداف الكبير، وأصواتا أخرى صفقت وهتفت لإدارة مسلي آل معمر على قرارها الشجاع، حتى اختلفت الأصوات تجاه ابن آسفي.
حمد الله الذي قدم إلى النصر في موسم 2018 وبعد قدومه قررت الإدارة النصراوية منحه الرقم 9 بعد ثلاثة أعوام قضاها القميص الأسطورة في خزينة الملابس النصراوية ولم يجرأ أي مهاجم على ارتدائه خشية من عقدته وثقله لكن أسد الأطلسي القادم من مدينة اسفي المغربية قبل التحدي وقبل ارتداء القميص رقم 9 وكأنه يقول حان الوقت ليعود لهذا الرقم توهجه وهيبته بعد أن أطفئت قرابة الـ 20 عاما.
انطلق حمد الله مع النصر وحرمته الإصابة من المشاركة في أول 3 جولات من الدوري وعاد في الرابعة وأحرز أول أهدافه في الدوري في أول مباراة له أمام التعاون، وكانت تلك البداية.
تتابعت الجولات في الدوري وبات حمد الله مرعب المدافعين والحراس الذين لم يجدوا سبيلا في إيقاف القاطرة المغربية ولم ينتهي الموسم إلا والهداف المغربي يتربع على عرش الهدافين محققاً أعلى رقم تهديفي في تاريخ الدوري السعودي منذ انطلاقه بعد تحطيمه رقم حمزة إدريس مهاجم الاتحاد الذي صمد 19 عاماً بإحرازه 34 هدفاً، إضافة إلى العديد من الأرقام التي تكسرت، ليؤكد عبدالرزاق حمدالله أن هيبة الرقم 9 في أصفر العاصمة قد عادت ووجدت من يعيد لها بريقها.
اقتحم حمدالله قلوب النصراويين، زاحم في مكانته لديهم أساطير صالت وجالت أعوام وأعوام، أقل من 30 مباراة كانت كافية، فـ"الجلاد" وهو أحد الألقاب التي حازها من محبيه، بات السبيل لأي فوز، كل انتصار أصفر لن يقف عليه إلا حمدالله، هو من يسجل، وهو صاحب الأيادي البيضاء على أقرانه بشلال صناعات لا ينضب.
في الموسم الثاني لم تتغير الأحوال فنياً لدى المغربي الجائع كل 90 دقيقة للأهداف، لم تنقطع عادته عن زيارة الشباك، لم يتبدل أمر واحد في ظهوره داخل الملعب، يسجل كما عرفه فريقه، وملثما يخشاه البقية وأنهى الموسم هدافًا للدوري برصيد 29 هدفاً.
الأجواء الباهتة في النصر جعلت كل شيء وارد الحدوث، حتى وإن كان رحيل حمدالله، ولم تكاد تمر أيام قليلة على هدوء وهج عاصفة الرحيل حتى عادت واشتعلت مجددًا بعد إعلان نادي الاتحاد التعاقد معه وهو القرار الذي لم يعجب المدرج الأصفر في الرياض، وكان بمثابة صفقة العمر لدى أنصار أصفر جدة الذي كان خبر التعاقد مع حمدالله صفقة العقد والقطعة الناقصة التي بحضورها سيكتمل عقد المنظومة الاتحادية التي كانت تنافس على لقب الدوري حينها قبل أن تخسره في الجولات الأخيرة لصالح الهلال.
توالت الأيام وتكشفت خلالها الكثير من الأمور وحشد الخصوم أوراقهم وأدلتهم وتحولت المعركة من الملعب إلى أروقة المحاكم بعد قضية التسجيلات الشهيرة التي أسفر الحكم فيها بعد مد وجزر إلى إيقاف حمد الله 4 أشهر، وغرمته 300 ألف ريال قبل أن يعلق مركز التحكيم الرياضي عقوبة إيقاف المغربي.
في 2 أكتوبر المقبل سيعود حمدالله إلى ملعب مرسول بارك للمرة الأولى وهو يرتدي قميص غير النصر، الملعب الذي صال وجال فيه وتغنى المدرج الأصفر باسمه خلاله وكان شاهدًا على آخر ركلة جزائية أضاعها وتصدى لها خصمه القديم وزميله الجديد مارسيلو جروهي حارس الاتحاد ولسان حاله وحال النصراويين يردد هَجَرتُكِ مُشتاقاً وَزُرتُكِ خائِفاً وَمِنّي عَلَيَّ الدَهرَ فيكِ رَقيبُ سَلامٌ عَلى الدارِ الَّتي لا أَزورُها وَإِن حَلَّها شَخصٌ إِلَيَّ حَبيبُ.