فنزويلا أو الجمهورية البوليفارية، بمثابة قطعة مجهولة اقتطعت من الجنة على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية، تحمل التنوع البيولوجي والجغرافي، الذي استوحى منه المخرج العالمي الأميركي جيمس كاميرون فيلم الخيال العلمي والإثارة "أفتار"، حيث الطبيعة البكر التي تشكلت على مدار ملايين السنين، فيما تُعرف بملتقى النباتات والفصائل التي لا يمكن العثور عليها في مكان آخر، بلوحات خلابة عجيبة، من روعة سلسلة جبال الأنديز الشاهقة، المطلة على غابات الأمازون المطيرة، والمحظوظ من يشاهد شلالات "آنجيل" التي تفوق برج خليفة الإماراتي بطول يلامس الكيلو متر، وكل ذلك لم ينفع شعبها الذين يعيشون تحت خط الفقر.

مثل النصف الغربي للكرة الأرضية، ظلت هذه الجنة مجهولة، إلى أن اكتشفها الإيطالي أميريجو فسبوتشي عام 1499 ضمن حملة بحرية، لاحظ خلالها التطابق الغريب بين قرى العائمة على الماء وبين مثيلتها في البندقية الإيطالية، ومنها جاءت تسمية فنزويلا – فينيسيا الصغيرة بالإيطالية-، قبل أن تقع فريسة للاستعمار الإسباني في بداية القرن السادس عشر ميلاديا، وبعد ثلاثة قرون من الاستعمار، جاء محرر القارة سيمون بوليفار، ليقود ثورة الاستقلال والخلاص، مستغلا تراجع إسبانيا أمام نابليون الأول، بإنهاء تعليمه في باريس، ليعود إلى وطنه، حيث دّشن حركة استقلال أمريكا الجنوبية، التي أصبح بعدها كل شيء تاريخ، بعشرات المعارك الخالدة، التي بلغت ذروتها بتحرير كولومبيا ثم بوطنه فنزويلا في مثل هذه الأيام عام 1821، ولم يكتف بذلك، بل لعب دور البطل في استقلال باقي دول الشمال الإكوادور وبيرو وبوليفيا وبنما، وفي الأخير تجرع من مرارة الموت مرتين، مرة بالنجاة بأعجوبة من محاولة اغتيال بعمر 45 عاما، وبعدها بعامين غادر الحياة متأثرا بمرض السلّ.

لم تسلم فنزويلا من لعنة الانقلابات العسكرية، حتى منتصف القرن الماضي، لكن فجأة وبدون سابق إنذار، تحولت إلى واحدة من أغنى دول أمريكا الجنوبية والعالم، باستقبال مليارات الدولار شهريا، إثر القفزة التاريخية في سعر النفط الخام بعد أزمة حرب أكتوبر 1973 العالمية، من دولار واثنين للبرميل الواحد إلى عشرة، آنذاك بدأت الدولة تستقبل خبراء التنقيب والمهندسين النفطيين القادمين من الولايات المتحدة، ليصبح معها غالبية الشعب الفنزويلي من طبقة الأثرياء بطريقة جنونية قاسية، وصل معها المواطن البسيط إلى شواطئ ميامي، أما الرجل الميسور فقد حظى بمعاملة 5 نجوم أينما وطأت قدماه، لسمعته العالمية في سخاء المعاملة بالدولارات، حتى أن حامل جواز السفر الفنزويلي، كان يتسكع في معظم الدول الأوروبية الكبرى والشرق أوسطية وآسيوية، بتذكرة طيران مباشرة من العاصمة كاراكاس، قبل أن تتدهور الأوضاع والظروف المعيشية لأغلب المواطنين، بدأت بدفع ضريبة عدم الاستعداد الجيد لفترة ما بعد ازدهار النفط، ثم بالصراعات السياسية التي فتحت "نار جهنم" بعد وفاة الزعيم هوجو تشافيز ووصول مساعده مادورو إلى سُدّة الحكم عام 2013.

وفي غضون 20 عاما، جار الزمن على ما يقرب من نصف الشعب الفنزويلي، من الأعلى دخلا في العالم، إلى 10 ملايين يعيشون على دخل شهري لا يزيد عن 6 دولارات فقط، وهذا لم يحدث من قبيل الصدفة، بل لعدة أسباب، في مقدمتها الفكر الاشتراكي، أو ما وصفها الراحل تشافيز "الثورة البوليفارية"، التي أخذها ذريعة للاحتفاظ بمنصبه في 4 ولايات زمنية، وبناء شعبيته الطاغية بإدمان الظهور والتعامل مع البسطاء، لدرجة تخصيص برنامج تلفزيوني يومي "توك شو" لمناقشة قضايا ومشاكل الناس على الهواء، بجانب الدعم الكامل على بعض السلع الإستراتيجية والخدمات العامة، كالحصول على البنزين والتنقل بالمترو مجانا حتى الآن، وما زاد الطين بلة على الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، حظه السيئ بالهزة الكبيرة في سعر النفط في العام التالي لوصوله للحكم، ثم بالحصار الاقتصادي الأمريكي، لمنع النظام من تصدير النفط بالطرق الشرعية، قبل الانفراجة الأخيرة، بالسماح بدخول النفط الفنزويلي إلى أوروبا وأمريكا، لتعويض حصة روسيا.

بعيدا عن صراع واشنطن السياسي مع فنزويلا الحليف الزئبقي لروسيا وإيران والصين، تقف السعودية، كعادتها على مبدأ الحياد وعدم الانحياز، مع العضو المؤسس القديم لمنظمة "أوبك" في ستينيات القرن الماضي، والعضو الوحيد غير الخليجي، تقديرا لما تُعرف في سوق الطاقة بـ "عاصمة النفط"، بامتلاكها ما مجموعه 304 مليار برميل نفط خام، وبلغة أخرى أكبر احتياطي نفطي في العالم، حتى هوجو تشافيز زار الرياض في 3 مناسبات، وأيضا الرئيس الحالي استقبله الملك سلمان بن عبد العزيز أكثر من مرة في الرياض، الأولى عندما كان يشغل منصب ولي العهد في بداية 2015، والأخرى في العام التالي، لتعزيز التعاون من أجل استقرار الأسواق البترولية، وأيضا لزيادة حجم التبادل التجاري بينهما، وجذب رؤوس الأموال السعودية، ضمن خطة تحسين الأوضاع الاقتصادية، التي جعلت الدولار الواحد يعادل ملايين البوليفار الفنزويلي، لتصبح في 2022 وطن "المليونيرات الفقراء".
بالنسبة لكرة القدم، يقول المؤرخ أليعازر بيريز "سمع صرخة الهدف لأول مرة في كاراكاس عام 1902"، في نفس العام الذي ظهر فيه أول فريق كرة قدم محلي، وكان يُسمى سان برناردينو، وجاء بفكرة لمجموعة من الإنجليز المهاجرين إلى البلاد في أواخر القرن التاسع عشر، بيد أنه سرعان ما تحول إلى نادي فروسية عام 1908، وبعد سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة، توالت الأندية في الظهور في العاصمة، إلى أن أقيمت أول كأس بينهما تحت مسمى إيفانجيلينا آدامز، في ملعب لوس سامانيس في العام 1918، مع ذلك، ظلت خارج دائرة اهتمام الشعب الفنزويلي، الذي كان ينظر إلى كرة القدم على أنها رياضة الأجانب المقيمين في البلاد، حتى بعد تأسيس الاتحاد الوطني لكرة القدم عام 1925، دليلا على صحة الوثائق التاريخية حول تأخر فنزويلا في التعامل مع كرة القدم بشكل احترافي، لدرجة تذكر المشاركة في كوبا أمريكا للمرة الأولى في نسخة 1967، رغم أنها تقام بشكل منتظم من قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.

على نقيض كل دول أمريكا الجنوبية، لم يسبق لفنزويلا أن أنجبت نجم "سوبر ستار" أو أسطورة بالجينات اللاتينية للملاعب الأوروبية، باستثناء نماذج معاصرة تعد على الأصابع، حققت شيئا من النجاح الفردي سواء على المستوى المحلي أو في الفرق الأوروبية المتوسطة، حصرتهم صحيفة "ماركا" في 10 أسماء، أبرزهم القائد توماس رينكون، الذي تألق مع جنوى وتورينو وسامبدوريا، لكنه لم يجد حظه مع يوفنتوس، وقبله أول محترف في التاريخ ستالين ريفاس، والأكثر شهرة في البريميرليج سالومون روندون، لاعب إيفرتون حاليا، من أصل أكثر من 30 محترفا عبروا إلى القارة العجوز، وإلى الآن، لم يقنعوا حوالي 30 مليون مواطن، بمواكبة نظرائهم في البرازيل وكولومبيا وتشيلي والأرجنتين والأوروغواي، والبقية في الشغف والتعلق باللعبة الأكثر شعبية في العالم.

تجمع مصادر الإنترنت، على أن كرة القدم تأتي بعد البيسبول وكرة السلة في جدول اهتمام الجمهور الرياضي الفنزويلي، وذلك لسببين، أولهما ارتباط عموم الشعب بلعبة البيسبول على وجه التحديد، منذ انتشارها بفضل الوافدين الأميركان العاملين في حقول النفط، وبدرجة أقل كرة السلة ومسابقات ملكة جمال الكون، وثانيا لفقدان الأمل والثقة في رؤية المنتخب والأندية على نفس مستوى سحرة القارة، مع فشله في الظهور ولو مرة واحدة في نهائيات أكثر العالم، أو الوصول للمباراة النهائية لكوبا أمريكا، فيما يبقى أعظم إنجاز، هو الحصول على المركز الرابع في نسخة 2011. على عكس منافسه المنتخب السعودي في ودية الغد، فهو بطل آسيا 3 مرات، ويحظى بحكومة قوية تدير أسواق الطاقة العالمية بانضباط كبير، ولديها صندوق سيادي يستثمر عوائد النفط خارجيا كان أخرها شراء نادي نيوكاسل يونايتد، ولكن يبدو أن الشيء المشترك الوحيد بين البلدين بعد تصدير الذهب الأسود، هو أن الرياض وكاراكاس لم يصدّرا حتى الآن لاعبا عالميا بمرتبة الميجا ستار بعد.