جوناثان النصر.. فتى الأرياف الباحث عن أحلامه الضائعة
انسـلّ برشاقة دون أن يشعر به أحد، وانتظر بضع ثوانٍ، حتى وصلت تمريرة تاليسكا، استقبلها بحب متقدمًا خطوتين إلى الأمام وصوبها بدقة فيزيائية معقدة، استحال على حارس الطائي إبعادها، ومن ثم قفز على استحياء محتفلًا مع زملائه الجدد في النصر، وقتها شعّت عيناه العسليتان بالفرح وبانت ابتسامة وجهه الصافية، في موقف ينبئ عن افتتاحية مهاجم كبير لم يحقق نصف أحلامه الكروية، كما يقول الروائي العالمي جابرييل ماركيز «الخجل هو شبح لا يمكن إيقافه».
وُلد الخجول جوناثان رودريجيز في 6 يوليو 1993، لأبوين تحت خط الفقر في مدينة فلوريدا وسط أوروجواي، على بعد 90 كم من العاصمة مونتفيديو، حيث المناطق المحيطة بالتلال المنحدرة والبقع الزراعية النائية على نهر سانتا لوسيا شيكو، والتي تعد موطنًا لمعالجة وتصدير القمح، الذرة، بنجر السكر وغيرها من المنتجات الخضراء، بخلاف مصانع الأخشاب والمنسوجات، وشركات كبرى لاستخراج الجرانيت، الحجر الجيري، الرخام والحديد، وقبل أي شيء، كانت القطعة التي أعلن من خلالها بيدرا لا فلوريدا استقلال البلاد عام 1852.
يروي سيرجيو باردو، مكتشف الدولي الأوروجوياني جوناثان رودريجيز، أنه لاحظ «الماس خام» حين شاهده بعمر 10 سنوات في أكاديمية مسقط رأسه أتلتيكو فلوريدا، وأيقن أنه أمام موهبة متفجرة، وهو ما حدث في غضون خمس سنوات، بتهافت كبار الدوري المحلي عليه، ليطير إلى ممثل العاصمة بينارول عام 2008، كخطوة أولى نحو عالم الشهرة والنجومية، إلا أنه فاجأ مدربه باردو، بالعودة إلى فلوريدا مجددا، لمعاناته مع الخجل وعدم قدرته على تحمل العيش من دون والديه وأشقائه الخمسة.
ظل مرتبطًا بالأسرة ومنزل العائلة حتى عام 2011، عندما استغل فرصته الأخيرة لشق طريقه نحو احتراف لعبته المفضلة، بانتقاله واستقراره هذه المرة مع بينارول، في صفقة جنى من ورائها ناديه الأصلي حوالي 7000 دولار وحقيبة قماشية سوداء ضخمة من كرات القدم، وإلى الآن يتأسفون عليها في فلوريدا، ويصفونها بهدية العمر لنادي بينارول، وفقا لصحيفة «لافوز دي غاليسيا» المحلية.
خطف جوناثان قلوب جماهير ناديه الجديد، بانفجار موهبته أمام المنافس التقليدي راسينج كلوب دي مونتيفيديو، مع أول ظهور له في كلاسيكو الدرجة الأولى، 3 نوفمبر 2013، ليتلقى عرضًا لا يقاوم بالذهاب إلى سبورتنج براجا البرتغالي، لكن أحلامه تحطمت بعد فشله في اجتياز الكشف الطبي، لمعاناته من إصابة على مستوى الفخذ، تبعها صدمة الاستبعاد من قائمة منتخب بلاده الأوروجوياني المشارك في مونديال 2014، ليعود إلى الحياة، ببداية صاروخية موسم 2015، على إثرها حصل على دعوة لمرافقة المنتخب في جولة الشرق الأوسط، ليشاء القدر أن يسجل حضوره الدولي الأول أمام السعودية في المباراة الودية التي انتهت بالتعادل 1-1 في أكتوبر 2014 بجدة، ثم سجل هدفه الأول في شباك عمان، في المباراة التي شهدت هدف «العضّاض» لويس سواريز مع الثعالب.
لامس حلمه الكبير بالوصول إلى أعلى مستوى تنافسي في أوروبا، بانتقاله إلى بنفيكا في شتاء 2015، على سبيل الإعارة رفقة زميل رحلة الكفاح ألبيو ألفاريز، إلا أنه لم يظهر سوى مرة واحدة مع الفريق الأول، في ليلة افتراس أكاديميكا بالخمسة، ليخوض تجربة أخرى مع ديبورتيفو لاكرونيا الإسبانية، ورغم البداية المبشرة، بظهوره في 13 مباراة دشن بها رحلته على أرض الليجا، أخرجه المدرب فيكتور سانشيز من حساباته بشكل تدريجي، إلى أن انتهى به المطاف بعقد انتقال دائم لسانتوس لاجونا المكسيكي.
قضى أيامه الخوالي في وطن أحفاد الهنود الحمر، بدأت بتحقيق لقب الدوري المكسيكي مع لاجونا، حتى بعد انتقاله إلى كروز أزول عام 2019، توج معه بالدوري وكأس السوبر، وعلى المستوى الفردي، تقاسم جائزة الحذاء الذهبي كأفضل هداف مع أنخيل مينا مهاجم ليون الموسم قبل الماضي، ولم يفسد رحلته شبه المثالية في المكسيك، سوى مقطع فيديو مسرّب، في احتفاله مع أصدقائه رفقة مجموعة كبيرة وبدون أقنعة وجه للوقاية من كورونا أواخر العام الماضي.
يناديه المراهقون في دياره بلقب «الكابيستا» أو ذو الرأس الكبير، وبشهادة صديق الطفولة جويشون فإنه متواضع وبسيط، فيما يراه رئيس قطاع شباب بينارول فيكتور بوا، هدافًا بالفطرة، ومؤخرًا وصفته صحيفة «سبورتاس» بصديق الوحوش، إشارة إلى مزاملته النجمين التاريخيين كافاني وسواريز، لكن ما يعيبه حقًا الخجل وتجنب وسائل الإعلام، يقابلهما حب السفر والموسيقى، رفقة زوجته سيندي توريديفلو التي أنجب منها الطفلتين ريناتا وريبيكا، وبعده انبثاقته الأخيرة أمام فارس الشمال هل يثبت نفسه للنصراويين في كلاسيكو الاتحاد، خاصة وأنه جاء ليحلّ مكان المغربي حمدالله الذي سيلتقيه وجهًا لوجه الجمعة في جدة؟.