مشاريبوف.. نيمار أوزبكستان.. وروح العالم الخوارزمي
لا يشبه المهاجم، ولا أيضا الجناح المبرمج على الركض، حيث أنه مكون من خليط آسيوي ساحر، يروّض الكرة مثل المغناطيس، ويتسلح بالمهارة والجدية مصدّرا الرعب لمنافسيه من خلال استعراض حيله ومراوغاته وأناقته الكروية التي يحبها المدربون، وعلى غرار قومه يعتبر أنه لا يوجد ما هو أسوأ من النكث باليمين المنعقد على الخبز، إلا خسارة المباراة أمام أنصاره.
وُلد جلال الدين مشاريبوف في الأول من سبتمبر عام 1993، في المدينة الهادئة أورجينش، الواقعة في غرب أوزبكستان، وتعرف بعاصمة إقليم خوريزم، نسبة إلى قائد ثورة علم الجبر في القرن التاسع محمد بن موسى الخوارزمي، والذي يزين العاصمة بتمثاله العتيق حتى الآن، كباقي تراث أورجينش، الذي يفوح منه الطراز السوفيتي، متجسدا في الزخارف القطنية التي تكتسي المدينة وتزيدها جمالا في أعين المتنزهين عبر نهر آموا داريا، والقادمين من بخارى مسقط رأس الإمام البخاري.
ارتبط مشاريبوف مبكرا بكرة القدم، تحديدا بعمر ست سنوات مع أطفال الحي، حتى بعد ذهابه إلى المدرسة، كان يقضي جُل وقته في ملعب التدريب، حتى أنه كان يضع زي اللعب في حقيبته قبل الكتب والدفاتر، كما افصح عن ماضيه في مقابلة مع شبكة "بينالتي"، روى خلالها أنه كان "يضحي بالأكل والدراسة لإشباع رغبته في لعب كرة القدم"، ليجني مكافأة مزدوجة، منها حب زملائه في الفصل، ومنها درجات تفوق الشهادة، باعتباره المصنف رقم 2 في الفريق المثالي للمدرسة.
يدين مشاريبوف بالفضل لشقيقه الأكبر جاموليد، الذي وضعه على أول السلم، بإرساله إلى أكاديمية خوريزم في الوقت المناسب، ليخوض بطولة الناشئين في منطقة جيزاك أمام كشافة الأندية الكبيرة، في مقدمتهم كشاف باختاكور أوليبوي دافليتوف، الذي كان موفقا، بالتقاط اثنين من ألمع مواهب أوزبكستان في العشرية الأخيرة، جلال الدين وزميل رحلة الكفاح وصديقه الصدوق جمشيد إسكنديروف لاعب سنونجنام الكوري الجنوبي حاليا.
من أسعد اللحظات التي مرت عليه في حياته، عندما أوفى بوعده مع نفسه، بإهداء والده أول راتب تسلمه من كرة القدم، وكان 10000 سوم أوزباكي، وفي ذاك اليوم، استقل حافلة من العاصمة طشقند إلى خوريزم، ليرسم السعادة على وجه الوالد، في مشهد إنساني قال عنه: "لم أتمالك دموعي وأنا أعطي والدي أول راتب في حياتي"، بينما الوالدة، فكانت أوفر حظا من الوالد، بحصولها على هدية بمئات الآلاف، عبارة عن أحدث طراز لسيارة "nexia" في عيد ميلاد الأم مارس 2019، على غرار ما فعله كريستيانو رونالدو مع الوالدة بعد شفائها من الوعكة الصحية، بإعطائها هدية مرسيدس بنز، تقدر بنحو 100 ألف يورو، وقبلها بسنوات البورش البيضاء.
على النقيض، لا ينسى مشاريبوف أنه تعرض لظلم كبير من قبل الاتحاد الآسيوي، بالعقوبة الرادعة، التي كلفته الحرمان من تمثيل بلاده لمدة 6 أشهر، بالإضافة إلى 5000 دولار، وذلك لركل زجاجة المياه في وجه الحكم، بعد الإقصاء أمام كوريا الجنوبية بنتيجة 3-4 في ربع نهائي دورة الألعاب الآسيوية 2018، فيما يقسم حتى الآن أنه لم يشاهد الحكم لحظة التعبير عن غضبه في نهاية المباراة، أما الصدمة، فكانت في عرقلة باختكور انتقاله إلى طرابزون سبور التركي، بمغالاة في رسوم إطلاق سراحه الصيف الماضي، رغم أن صاحب الـ27 عاما، بُح صوته من الصراخ، أن حلمه هو اللعب في أوروبا، بعدما قدم كل ما لديه للنادي على مدار عقد من الزمن.
من الأقوال المأثورة عن النجم الأوزبكي، ما قاله مدرب باختاكور شوتا أرفيلادزه بعد الهدف المقصي في مرمى القوة الجوية العراقي في دوري أبطال آسيا 2018: "هل رونالدو وحده هو من يسجل هذه الأهداف؟". وفي تقرير لمنصة "شامبيونات آسيا"، وُصف بالبطل الموهوب، وتمت مقارنته بنجوم أوزبكستان قبل وبعد الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي سبتمبر 1991، مثل عبد الرحيموف بختيور أشورماتوف إلدور شومورودوف، وبعد سنوات أثبت ذلك بشكل عملي، بحصوله على جائزة أفضل لاعب من قبل رابطة النقاد الموسم الماضي.
يبقى أعظم شعور راود مشاريبوف طيلة حياته، حين أدى فريضة الحج قبل 4 سنوات، بعدها بعامين تعرف على شريكة العمر في بخارى، وتزوج منها في السادس من ديسمبر 2018، وفي سبتمبر التالي رزقا بأول مولود، وفيما يخص خططه وأهدافه في المستقبل القريب، فهو الاستثمار ببناء مدرسة كرة في مسقط رأسه، ويقول دوما لو طُلب منه تحقيق حلم أو أمنية واحدة في الحياة من ثلاث، سيختار "تمثيل أوزبكستان ولو ثانية في كأس العالم"، بينما أكثر ما يخيفه هو التفكير في "أنه سيعتزل كرة القدم يوما ما".
يهوى الغناء ومتابعة برشلونة وإبداعات البرازيلي نيمار والبلجيكي هازارد محاولا تعلم أحدث أساليب الخداع والمراوغة، كما يعشق اللونين الأبيض والأسود في السيارات، ويفضل مشاهدة الأفلام والمسلسلات الأميركية والهندية كونه من محبي النجمين براد بيت وكاترينا كيف، بينما وجبته المفضلة طبق أوش اللذيذ، المكون من الأرز واللحم والخضار، وبعد التحاقه بمعسكر النصر الصيفي في بلغاريا، هل يجد مشاريبوف مكانا له بين تخمة نجوم الوسط التي تضم تاليسكا وأبو بكر وبيتي والصليهم والغنام وأيمن يحيى؟.