صيام رمضان.. قصص غريبة في حياة المحترفين
مع اختلاف نظرة العالم للرياضيين المسلمين، ونجوم كرة القدم العرب المتوهجين في أوروبا بالذات، بدأ المتابع العربي يلمس تغيرات جذرية في طريقة تعامل الإعلام والأندية ضمن الدوريات الخمسة الكبرى طوال شهر رمضان المبارك.
بالعودة لنحو عقد ونيف من الزمان، حيث البداية الفعلية لتوغل الجيل الثاني للمهاجرين العرب والأفارقة في الأندية الأوروبية، كانت بعض الأندية والمنتخبات تتضايق من تزامن شهر الصيام مع المباريات والأحداث الكبرى، لتمسك اللاعبين المسلمين بتأدية الركن الرابع في عقيدتهم، بالامتناع عن تناول الطعام والشراب منذ الفجر وحتى الغسق، ما كان يتسبب في تهديد المسلمين بمستقبلهم من أنديتهم، كما حدث مع لاعبي آينتراخت فرانكفورت، الذين تلقوا تهديدا صريحا بالمفاضلة بين العقود المليونية أو الصيام، وفي الأخير انتهت بفتوى من المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، للسماح للاعبين بالإفطار في أيام المباريات.
وعلى سيرة الألمان، لا ينسى عازف الليل النجم مسعود أوزيل، ما حدث معه في كأس العالم 2018، بخروجه من حسابات المدرب يواكيم لوف، كضريبة لإصراره على الصيام حتى في أيام المباريات، وقبله بأشهر قليلة، أجبر الفرعون المصري محمد صلاح على الإفطار يوم نهائي دوري الأبطال أمام ريال مدريد، بنصيحة من مدربه الألماني يورغن كلوب والجهاز الطبي، كما روى أخصائي العلاج الطبيعي في ليفربول، روبن بونس، الموقف كاملا لإذاعة "كادينا سير" منتصف 2019.
استمرت "فوبيا" القلق من مخاطر الصوم على اللاعبين الصائمين حتى صيف 2019، عندما تساهل الاتحاد الإفريقي مع الاتحادات العربية المشاركة في بطولة "الكان"، بتأجيل البطولة لمدة أسبوع لتخفيف مشقة الصيام على اللاعبين، ومنذ ذلك الحين، توقفت نغمة خوف الأندية والمنتخبات على المسلمين الصائمين، لظروف توقف الكرة في رمضان الفائت، بيد أن حدث مباراة ليستر سيتي ضد كريستال بالاس قبل 11 يوما، عندما سمح الحكم جراهام سكوت بالتوقف لنصف دقيقة، كي يسمح للثنائي المسلم شيخو كوياتي ويسلي فوفانا بكسر صيامهما.
كانت تلك الحادثة، أول مرة تتوقف فيها مباراة بمسابقة البريميرليج من أجل السماح للمسلمين بتناول مشروب الطاقة مع غروب الشمس، فيما اعتبره موقع "ذا أثليتك" البريطاني، تجسيدا للواقع الحالي، بالقفزات الهائلة في أعداد المحترفين العرب والمسلمين من مختلف أنحاء العالم، بوصول الأعداد المسجلة في الأندية الدوري الإنجليزي الممتاز لنحو 79 لاعبا، مقارنة بلاعب وحيد في نسخة البريميرليج الأولى 1992، وهو لاعب توترهام السابق، محمد علي عمار، المعروف اختصارا باسم "نعيم" الذي يعمل حاليا معلقا على مباريات الليجا من مدينة سرقسطة الإسبانية.
وعلى النقيض من تحذيرات الطبيب الألماني يواخيم شوبيرت، ما وصفه في مقابلة مع "دويتشه فيله"، بمخاطر الصيام الكبيرة على اللاعبين المسلمين، خصوصا الملتزمين بمباريات رسمية في شهر رمضان، أثبت محمد صلاح ورياض محرز وسعيد بن رحمة وباقي سفراء الإسلام في الدوريات الأوروبية عكس ذلك، بدأها المصري بتألقه ونجاحه في هز شباك نيوكاسل في أول أربع دقائق وهو صائم، ثم انفجار محارب الصحراء مع مانشستر سيتي، بإقصاء باريس سان جيرمان من نصف النهائي بهدفين من توقيعه وهو صائم.
في تلك الأثناء، كان الوحش الخجول نجولو كانتي، يعطي دليلا على أن الصيام يظهر الحاسة السادسة للمسلمين، بدليل ما فعله في ريال مدريد خلال مباراتي ذهاب وإياب نصف النهائي، حيث نال جائزة رجل المباراة في المناسبتين وهو صائم، أما جماعيا، فلا أحد ينسى ملحمة منتخب الجزائر الصائم أمام ألمانيا في ثمن نهائي كأس العالم 2014، التي انتهت بفوز بشق الأنفس لمصلحة بطل العالم بهدفين لهدف في مباراة امتدت لنحو 120 دقيقة.
ظاهرة صيام رمضان تتزايد في ملاعب كرة القدم، حيث بدأت بكفاح المناضلين الأوائل، لإجبار أنديتهم ومدربيهم على احترام عقيدتهم الدينية، أشهرهم المالي عمر كانوتيه مهاجم توتنهام وإشبيلية في بداية الألفية الجديدة، الذي كان يقدم أفضل مبارياته في أوقات الصيام، ومثله السنغالي ديمبا با، الذي يقول عن فترات صيامه مع تشيلسي وبشكتاش: " دوما ما كنت أواجه مديرا لا يسعد بقراري، وكنت أقول له اسمع، سأفعل ذلك، إذا استمر أدائي جيدا، فسأستمر في اللعب والصيام"، وآخرون أيدوا دراسة للجنة الأولمبية الدولية، التي أشارت في عام 2009، إلى أن الصيام لفترات قصيرة أو طبيعية، بالكاد له تأثير ضئيل على مستويات اللاعبين؛ بل إن الصيام يجعل اللاعبين أكثر خفة في حركتهم داخل الملعب.
تبقى أكثر عبارة صادمة بالنسبة للنجوم المسلمين، ما قاله البرتغالي جوزيه مورينيو في 2009 حين كان مدربا لكتيبة إنتر ميلان: "رمضان جاء في توقيت سيئ على علي مونتاري". وبسببه تضرر الغاني من المشاركة في مباريات الدوري الإيطالي آنذاك، ويبقى ما فعله رئيس الكوكب دباس الدوسري لا يصدق خلال رمضان الجاري، حينما سمح لقائد فريقه التونسي شاكر الرقيعي بالتنازل عن 3 أشهر من رواتبه، مقابل قضاء العشر الأواخر من رمضان وعيد الفطر بجانب عائلته.