حماد العنزي.. معلم أجيال.. قلبت حياته نبوءة بلاي ستيشن
بشرته بيضاء، متوسط الطول، ملامحه وعيناه الخجولتان تشرح كل شيء، كونه دمث الأخلاق ونقي السريرة، تصرفاته هادئة وصوته منخفض للغاية، يتسم بأدب ولطف مذهلين، بينما على نقيض شخصيته فهو ينفجر داخل كبينة التعليق، حيث يفوح صوته برائحة الطرب الكروي الأصيل، معتمدا على حنجرته الذهبية، وهوسه الكبير بأدق تفاصيل لعبة كرة القدم، وأبرز ما يميزه أثناء المباريات عفوية وصفه للأحداث مثل نهائي كأس السوبر: "الله.. أعطني حمدالله.. وارمني في موج الهلال".
ولد حماد بن نايف العنزي، 24 مارس 1982 في مستشفى الجهراء بدولة الكويت، وذلك لانشغال والده بمهمته العسكرية في الجيش. لاحقا وبعد 7 أشهر من قدوم المولود الجديد عادت العائلة إلى مسقط الأجداد في مدينة عرعر عاصمة منطقة الحدود الشمالية السعودية، تحديدا حي العزيزية، تاركين خلفهم محافظة الجهراء الشهيرة بآبارها العذبة وزراعتها من النخيل والخضروات في الماضي، ومع التوسع العمراني اقتصرت على بعض البساتين، فيما اكتسبت أهميتها لوقوعها على طريق التجارة البرية بين العراق ونجد في فترة ما قبل الإسلام.
قضى حماد طفولته الجميلة في لعب كرة القدم بالحارة بعد انتهاء فصله في مدرسة طلحة بن عبيد الله الابتدائية، وتضاعف شغفه بها في عمر 8 سنوات، متأثرا بمتابعة المباريات المحلية والعالمية مع أشقائه الكبار، وازدادت متعته بعد استمتاعه بدراما نهائي أبطال أوروبا 1993 بين مارسيليا وميلان، حتى أنه كان يتخلف عن طلعات البر. ومن شدة جنونه دشن ملعبا في حي النسيم شرق الرياض، مقيما أعتى المباريات على مخطط الهزاعية مع أصدقائه ومعارفه، مستغلا بذلك فترة استكمال والده دراسة البكالوريوس في تخصص أصول الدين بجامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية.
راودته أحلام الشهرة واحتراف الكرة خلال مراهقته، لكن الحلم توقف مع اعتراض الوالدين على فكرة مواصلة اللعب مع فريق عرعر لفئة الشباب، خوفا على مستقبله التعليمي، ونزولا عند رغبتهما، أمضى حماد طريقه في التعليم حتى نال الشهادة الجامعية من كلية المعلمين في قسم الدراسات القرآنية عام 2004. بيد أنه لم يبتعد كثيرا عن كرة القدم وظل مطلعا لكل ما يكتب ويقال عن لعبة الفقراء في الصحف الورقية والمجالس الشعبية، نتج عن ذلك امتلاكه لرصيد معلوماتي هائل، منحته قاعدة ارتكاز صلبة يستند عليها أثناء تعليقه الموجه إلى ملايين المشاهدين حول الوطن العربي.
على غرار الكتاب والشعراء المبدعين، شكك الفائز بجائزة زاهد قدسي في نسخة 2021، بأنه لا يصلح للعمل في مجال التعليق في وقت مبكر قبيل اندلاع مسيرته، ظنا منه أن تعليقه المسجل على شريط "كاسيت" لمباراة كلاسيكو إسبانيا بين ريال مدريد وبرشلونة، كان بدائيا وسيئا، فيما جاء رأي عمه الدكتور عبد اللطيف مخالفا تماما، بعد الاستماع إلى تعليقه على مباريات أخوته الثلاثة الكبار في لعبة البلاي ستيشن، حيث كان أول من تنبأ بأن ابن أخيه سيصبح معلقا شهيرا في المستقبل بقوله: "صوتك جميل.. ليش ما تعلق في التلفزيون؟".
بعد 6 سنوات من نصيحة العم وجملته الشهيرة، لامس حلمه بدخول برج التلفزيون في شارع الخزان، كان وقتها أسعد إنسان على كوكب الأرض، بعد مقابلة مدير البث المباشر في القناة الرياضية، الأستاذ خالد الدوس، لتقديم أوراق اختباره كمعلق سعودي شاب، ولأن الحظ لا يبتسم إلا للمجتهدين كما قال السير أليكس فيرجسون، مدرب مانشستر يونايتد المعتزل 2013، حظي حماد العنزي بفرصته بعد 8 أشهر من الانتظار والتنقل 400 كم أسبوعيا بين مقر إقامته في النعيرية والعاصمة الرياض حتى يتعلم من المعلقين الرياضيين الرسميين، بينما كانت الضحية سيارته الكابرس رصاصية اللون التي باعها لاحقا بثمن بخس.
أول رسالة دعم وتشجيع تلقاها، كانت من زميل رحلة الكفاح والمثابرة، عبدالله الشهري، بعد الانتهاء من اختبار تجريبي على إحدى مباريات الدوري الأرجنتيني، آنذاك قال زميله القديم وصديقه الحالي: "والله يا حماد إذا ما أخذوك.. ظلم". في نفس الأسبوع ظهرا ريثما حاول الاستلقاء على سريره، استلم تكليفا مفاجئا بالتعليق على مباراة بايرن ميونيخ وماينز بالدوري الألماني 2006، ورغم الطقس السيء واستمرار هطول الأمطار، لم يفوت العنزي الفرصة، برحلة سريعة إلى العاصمة، الأمر الذي فتح له باب النجاح والشهرة من المحيط إلى الخليج، باحتراف مهنة التعليق في أضخم المؤسسات التلفزيونية لنحو 15 عاما.
في أواخر 2009 اتصل المصري علي محمد علي، رئيس لجنة المعلقين في قنوات بي إن سبورتس القطرية، داعيا إياه للانضمام إلى المجموعة للتعليق على أكبر البطولات العالمية، بعدها علق حماد العنزي على مباريات تاريخية مثل نهائي أولمبياد ريو 2016 بين البرازيل وألمانيا، افتتاح كأس العالم 2014 بين البرازيل وكرواتيا، ونهائي دوري أبطال أوروبا 2016 بين الريال وأتليتكو، وثمن نهائي كأس العالم 2014 بين بلجيكا والولايات المتحدة، حتى غادر الجزيرة الخليجية الصغيرة إثر خلاف سياسي سابق بين الرياض والدوحة منتصف 2017.
يحرص المعلق البالغ 39 عاما، على بعض الطقوس قبل دخول إلى كابينة التعليق، منها تجنب الحديث مع المقربين حتى لا يتشتت تركيزه، والاكتفاء بشرب ماء فاتر، وبين الشوطين يجدد طاقته وحنجرته بكوب شاي ساخن. أما بعيدا عن مجال الإعلام فإنه يعتبر زوجته الداعم الأول له، حيث رزق منها بأربعة أطفال، لمار وأحمد ونايف ثم سفانا، ودائما ما يصطحب أسرته في العطلة الأسبوعية، بعد انتهاء مهمة التدريس والتعليق، إلى مقهى ستاربكس أو مطعم شامي، حيث يحب تناول القهوة والشوربة والمحاشي والمشويات بشدة، وتعد هوايته المفضلة مشاهدة لعبة الكرة الطائرة بينما لا يملّ من قراءة منشورات كاتبه المفضل صحافي القرن الماضي محمد حسنين هيكل.
يستمتع حماد العنزي بمشاهدة مقاطع يوتيوب، لنجوم سعوديين معتزلين على غرار، ماجد عبدالله ويوسف الثنيان ونواف التمياط وسامي الجابر ومحيسن الجمعان وخالد مسعد ومحمد الخليوي وحسين عبدالغني، ويعشق الفريقين الأبيضين الزمالك وريال مدريد بفضل النجم المصري حازم إمام والظاهرة البرازيلية رونالدو، بينما مدربه المفضل البرتغالي جوزيه مورينيو، أما معلق القرن بالنسبة له فهو الراحل زاهد قدسي، أما مقولته المفضلة التي يستمد منها قوته وشغفه وعزيمته "يجب أن تكون رغبتك في النجاح أكبر من خوفك من الفشل".