كارلوس هيرنانديز.. إسباني مغامر.. يحمل آمالا كبيرة
يبدو رجلاً لطيفا، فمنظره يوحي بأنه أستاذاً في الجامعة، أو عازف قيثارة في فرقة موسيقية، وليس مدرب كرة قدم، نظراً إلى لحيته السوداء المهملة وبشرته ناصعة البياض، بينما يعتمد في تعاملاته مع الجميع على الهدوء وقلة الكلام، وعندما تشاهد مقابلاته التلفزيونية بعد انتصاراته المدوية، تتذكر فوراً المثل الإسباني الشهير:« ما أعظم النصر الذي يتم دون إراقة دماء».
وُلد كارلوس هيرنانديز في 27 مايو 1984، لأسرة متوسطة الدخل تعتمد على مقهى يديرها الوالدين في بلدية بينيارجو الإسبانية، التابعة لعاصمة الدوقة والأناقة بالعصور الوسطى، إذ كانت تعرف في العصر الإسلامي بكانديا، المعروفة حاليا باسم غانديا جنة إقليم فالنسيا، حيث تعتبر أهم وجهات ملايين السياح نظرا لجمال شاطئ بلايا الأزرق، ونبض المواقع التاريخية ومشاهد المهووسين بالتسوق، يقابلها مناطق ريفية من بساتين البرتقال وكروم العنب، وتعد الوجبة الشعبية طبق «فيديوا» المكون من المعكرونة مع الحبار والمحار.
على غرار البرتغالي جوزيه مورينيو أو الأرجنتيني مارسيلو بيليسا، لم يحظ كارلوس هيرنانديز بمسيرة احترافية في فترة المراهقة وبداية العشرينات، مكتفياً بتجارب مع أندية هواة ضمن الدرجة الثالثة في إسبانيا، قبل أن يرفع الراية البيضاء بعمر 17 عاماً، معتزلا لعبة كرة القدم ومنصباً بتركيزه نحو الجامعة، في نفس التوقيت حصل على فرصة نادرة، بالعمل كمساعد لمدرب مورسيا، وهو ما يجعله أقرب نسخة تحاكي المدرب الشاب ناجلزمان مع لايبزيج الألماني، بفضل قدرته على التعامل نفسياً مع اللاعبين ونظراً للتقارب العمري معهم.
استمر الشاب في رحلة الكفاح خارج بلاده، بالعمل كمنسق لأكاديميات إسبانية يملكها المليونير راؤول مارتينيز بييرو، للتنقيب عن المواهب السمراء الخام في بلدان زامبيا والسنغال، ما ساعده على اكتساب خبرات وعلاقات هائلتين، معززا لخبراته الأكاديمية فقد درس دبلوم التربية الرياضية وماجستير الأداء الرياضي - الصحي، قبل ممارسته مهنة التدريب مطلع 2013، فضلاً عن نشره 200 نسخة لكتابه الأول فترة تكتيكية، وتبعه بكتاب آخر اسمه نموذج اللعبة، إذ يمكن الحصول عليها عبر منصة «أمازون» بقرابة 15 دولار.
قبل نحو ثلاثة شهور، وصل المغامر صاحب الـ36 عاما إلى العاصمة السعودية الرياض، مدربا لشبان فريق الشباب، ومن حسن حظه فإن الرئيس خالد البلطان قرر تعيينه بدلا عن البرتغالي كايشينيا الذي خسر من الاتحاد مطلع 2021، وقتها كان في نظره المهمة صعبة بدليل اعترافه لصحيفة "الآس" الإسبانية بقوله: "معظم المباريات هنا صعبة ومعقدة، فالأسماء اللامعة كثيرة مثل بانيجا وأمرابط وجوميز، حيث يتواجد بالدوري السعودي 5 أندية قوية تاريخيا، ولكنني أترقب المباراة المقبلة فقط".
اعتاد المدرب كارلوس هيرنانديز على مغادرة مجمع الريم السكني، الواقع في حي قرطبة شرق الرياض، تمام الواحدة ظهرا، برفقة مترجمه المغربي طارق بنجدية، على متن سيارة هونداي ألنترا بيضاء موديل 2020، وخلال رحلة الطريق التي تستغرق نصف ساعة لبلوغ نادي الشباب، يتجاذب الإسباني الحديث مع المترجم عن شكل المران اليومي، كون المترجم يفهم في النواحي الفنية، بصفته لاعبا سابقا في فريق الوداد المغربي، وأحد الذين هزموا الهلال في نهائي البطولة العربية 1989.
عند وصوله، يدخل كارلوس إلى مكتبه الشخصي، يشرب الكابتشينو أو كوب قهوة فرنسية بنكهة الفانيلا، ويبدأ في تغيير ملابسه وطباعة أوراق التمرين واضعا جدول التدريب الزمني، ومن ثم يطلب الاجتماع مع الجهازين الطبي والفني لمعرفة المستجدات، وإذا طلب منه أخصائي الفيديو القدوم فإنه يتجه إلى قاعة العرض لمشاهدة نقاط قوة وضعف المنافس، لاحقا يتجه إلى أرضية الملعب لتجهيز الحصة ووضع أدوات التدريب، ولا ينسى ممازحة نجومه خاصة التشيلي إيغور والسعودي محمد سالم بالإضافة إلى الأرجنتينيين بانيجا وخوانكا.
عند صافرة بداية التمرين، ينتهي كل شيء وتظهر ملامح المدير الفني الحازم، إذ يوجه اللاعبين بطريقته الخاصة، وحتى أثناء المباريات يقتصد في مشاعره، بدليل احتفاله البسيط إثر فوز كتيبة الليوث على النصر والرائد والوحدة برباعية، لحظتها كان يبتسم بتواضع ملحوظ. ورغم أنه خسر أمام الفتح بهدفين لهدف، الأسبوع الفائت، إلا أنه رفض توبيخ اللاعبين في غرفة الملابس، وانتظر حتى مران اليوم الثاني قائلا لهم: أنا أتحمل مسؤولية الخسارة، ولكن لماذا انخفض تركيزكم في الشوط الثاني؟، إن المشجعين ينتظرون تضحيتكم وروحكم في كل مباراة.
يحب ابن فالنسيا تناول الوجبات البحرية، حيث لا يتوقف عن زيارة سوق الشمال، متناولا الجمبري وسمك السيباس المشوي، وإذا ضاق الوقت ابتكر حفلة شواء داخل منزله أمام بركة السباحة، يمارس الرياضة ويقرأ كتب الفلسفة، ويحاول تحسين لغته الفرنسية والإنجليزية، ومتمنيا زيارة مدينتي العلا ونيوم السعوديتين بعد ما شاهده في موقع يوتيوب، فيما لا ينسى إشادة مواطنه الأسطوري تشافي عندما هزمه 4-3 في كأس قطر أواخر 2019، بينما تعتبر أكبر أحلامه تدريب منتخب إسبانيا، وقيادة الشباب إلى كأس دوري الأمير محمد بن سلمان بعد غياب 8 سنوات.. فهل يفعلها كارلوس؟.