حمدالله.. زئير الأسد لحظات الحسم
كان هادئاً أمام المرمى، حيث سدد الكرة بحرفية في شباك الهلال، ثم خلع قميصه وركض فرحا باتجاه زملائه، وقبل أن ينهالوا عليه قفز عاليا محذّرا خصومه بكلتا يديه أمام كاميرات التلفاز، في إشارة واضحة إلى عودته لقيادة هجوم النصر مجددا بعد غياب طويل، والبداية كأس السوبر فقط.
وعلى الرغم من نجومية عبدالرزاق حمدالله إلا أن الحياة القاسية سلبت طفولته، حيث بدأت ردود أفعاله القوية تظهر عندما تخطى سن المراهقة، واتضحت شخصيته العنيدة أكثر ضد منافسيه داخل الملعب، إذ يقرر في بعض الأحيان الصمت مغلقا صفحاته في منصات السوشيال ميديا، ورغم كترة الأحاديث حوله، إلا أن المغربي يعد هدافا لا يمكن التشكيك مطلقا في موهبته الربانية.
ولد حمدالله في 17 ديسمبر 1990، داخل منزل بمدينة آسفي المغربية، والتي قال عنها ابن خلدون إنها مدينة السمك والخزف وحاضرة المحيط الأطلسي. هناك حيث يمتهن أهلها الصيد وصناعة الفوسفات وترفيه السياح بين آثار الحضارات الأمازيغية والفينيقية والرومانية، فيما زارها دبلوماسيون أوروبيون على غرار سفير ملك فرنسا هنري الثالث، ومبعوث ملك إنجلترا تشارلز الأول.
استفاد حمدالله من شقاوته في طفولته، حينما كان يغوص في أعماق المحيط الأطلسي، بحثا عن الأعشاب البحرية كي يبيعها بثمن بخس. وبفضل هوايته البحرية تمكن من شراء أول حذاء كرة قدم. وعندما كبر استمر في ممارسة هوايته عبر السباحة الحرة مع أصدقاء طفولته، أو ركوب الأمواج والاستجمام فوق الرمال الناعمة بشاطئ مدينته الساحلية الجميلة.
رغم أنه آخر العنقود، إلا أن حمدالله افتقد الرفاهية في صغره مع إخوته السبعة، إذ كان يقطع 15 كم يوميا من أقصى جنوب مدينة آسفي إلى شمالها كي يلتحق بتدريبات فريق أولمبيك رفقة 4 من أصدقائه، والذين توقفوا ذات مرة بمنتصف الطريق عائدين مجددا إلى «الكاريان» ملعب الطفولة. بيد أن عبدالرزاق أكمل طريقه متجاوزا خلافه الشخصي مع مدرب الشباب الذي حاول إنهاء مسيرته مبكرا في كتيبة «القرش المسفيوي» .
وقع المغربي في عدة مشاكل خلال مسيرته الكروية، أولها خلال تجربته الاحترافية مع فريق أليسوند النرويجي 2013، إذ تعرض لانتقادات جماهيرية لاذعة بعد تركه الملعب أثناء مباراة سوندال بعد منعه من تنفيذ ركلة حرة ثابتة. وسبق أن عاد إلى منزله معترضا على استبداله في الدقيقة 60 من مباراة الريان والغرافة بالدوري القطري 2018. وبعد الحادثة بعام فقط غادر معسكر المنتخب المغربي بسبب مضايقات قبل انطلاقة كأس الأمم الأفريقية.
وجد النصراويون ضالتهم في المهاجم البالغ 29 عاما، عقب اعتزال أسطورتهم ماجد عبدالله، إذ ساعدوه بتظليل سيارته الجيب بالكامل تلافيا لمحاولات استفزاز المشجعين، وأثناء فترة الحجر الصحي خلال جائحة كورونا حجزت إدارة النادي لعائلته في منتجع نوڤا السياحي، وأحضرت له أيضا مدربه الشخصي من المغرب كي يحافظ على لياقته البدنية، وكل تلك العوامل أثمرت بتسجيل المغربي 57 هدفا في عام 2019.
صوته عذب ويحب الاستماع إلى تلاوة الشيخين عبدالرحمن السديس وسعود الشريم إمامي المسجد الحرام، ويصف السعودية بأنها مملكة الخير. كما يتنافس على إمامة زملائه في معسكرات النصر فيما تقول عنه والدته: "لم يتعبني قط ولم يخسر لي ظن مطلقا". بينما يعتبر ندمه الأعظم في حياته، تغيبه عن والده في اللحظات الأخيرة، مؤكدا أن حضوره الدفن والجنازة لم يكن كافيان معنويا بالنسبة إليه.
يراه الكثيرون دبلوماسيا في علاقاته الشخصية بمدينة الرياض، باستثناء زميليه المقربين وليد عبدالله وحمد المنصور المنتقل حديثا إلى الاتحاد. ويرافقه في كل مكان قط أبيض وأحيانا ببغاء الكوكتيل الملون، كما يحرص على مشاهدة مباريات برشلونة ويستمتع برؤية مقاطع فيديو للنجمين البرتغالي رونالدو والكاميروني إيتو، بينما لا يخشى الجلوس بالقرب من الحيوانات المفترسة، باعتبار أنه أسد داخل الملعب وقرش وسط الماء.