الهريفي برّ أمه.. اختار النصر.. وكسب حبّ الملايين
سيارة حمراء من طراز جمس "حوض غمارة"، تقترب مسرعة من ملعب النخيل في مدينة بيشة، يحاول السائق إبعاد الجماهير عن طريقه عبر المنبّه، تتوقف السيارة وينزل منها صبي لم يتجاوز سنّ 14 عامًا، تنطلق المباراة ويحرز النجم الصغير في المباراة أربعة أهداف من أصل خمسة في شباك فريق سبت العلايا.
كانت بداية مجنونة لنجم الكرة السعودية فهد الهريفي، الذي ولد في الـ10 من سبتمبر 1965 في بيشة جنوب السعودية، ويعرف عن المدينة بأنها أرض حضارة وزراعة سكنتها أمم متفاوتة، ولكنها أيضًا أنجبت أفضل لاعب عربي عام 1988، وأول سعودي يصنع هدفًا في كأس العالم 1994.
رفض والد الهريفي في البداية انضمام ابنه إلى نادي النخيل بحجة الدراسة، ووسط محاولات الجيران والمحبّين قَبِل الأب بالخطوة. وفي أول مران يخوضه فهد مع الفريق، قال له المدرب السوداني كمال حسب الله: "تشوف اللاعبين في التلفزيون؟ راح يجي يوم تكون أحسن منهم".
شاءت الصدفة أن يغادر الهريفي بيشة باتجاه الرياض من أجل دورة رمضانية في نادي النصر، وهناك بدأ النصراويون بالحديث عنه؛ ما شجّع أمير النصر الراحل عبد الرحمن بن سعود على رؤيته عن قرب، ومن ثم دعاه لتناول الإفطار بمنزله. وهناك سأل الأمير الهريفي قائلاً: هل تريد أن تلعب برفقة ماجد وتكون نجمًا في المنتخب؟
ارتدى الهريفي القميص الأصفر عام 1984 ولعب مباشرة في الفريق الأول بطلب من باولو سيزار كاربجياني المدرب البرازيلي، وحينما رأى الهريفي حوله ماجد عبد الله ومحيسن الجمعان ويوسف خميس وتوفيق المقرن، قال لنفسه: لست خائفًا من نجوميتهم، إنهم مصدر طموح وتفوق وسأتغلب عليهم.
كانت والدة الهريفي تشاهد كافة مباريات ابنها عبر التلفاز، وحينما يزورها الجيران في منزلها في مدينة بيشة لشرب القهوة وتبادل الأحاديث، تدير ظهرها قائلة: "لا أحد يكلمني، أبي أشوف ولدي". حينها كان فهد يتعمد الوقوف على قدميه سريعًا بعد كل إصابة حتى لا تساور والدته مشاعر الخوف والقلق.
15 ألف ريال تلقاها فهد مكافأة بعد الفوز على الهلال في نهائي كأس الملك 1986، ورغم ظروفه الاقتصادية الصعبة، إلا أنه فضّل الادخار بالمكافأة بجانب رواتبه، حتى نجح بعد 5 أعوام في شراء منزل كبير مقابل مليون و600 ألف ريال في حي الملك فهد في الرياض؛ من أجل والدته وإخوانه.
أطلق الراحل فوزي خياط الصحافي السعودي لقب "الموسيقار" على الهريفي بسبب طريقته الموسيقية الساحرة في صناعة الأهداف، وبعدما حسم لاعب الوسط الركلة الترجيحية الأخيرة في نهائي آسيا 88 أمام الكوريين، قال عنه كارلوس ألبرتو بيريرا المدرب البرازيلي الشهير: "إنه لاعب أوروبي".
يستعد الهريفي البالغ من العمر الآن 52 عامًا، لتوديع الجماهير الرياضية بعد 18 عامًا من اعتزاله اللعبة، إذ تكفل تركي آل الشيخ رئيس هيئة الرياضة، بحفل اعتزاله أمام فالنسيا الإسباني مساء الأربعاء على ملعب الأمير فيصل بن فهد في الرياض، وبحضور لاعبين عالميين على غرار رونالدينيو وبيرلو وكريسبو.
ويقول لـ"الرياضية" فهد الهريفي في حديث خاص: "زرعت الورد ونزفت الدم والعرق في سبيل إسعاد الجماهير النصراوية والسعودية، ولقد حان وقت الوفاء؛ فأتمنى حضورهم في ليلة تكريمي التي جاءت من رجل الرياضة الأول الذي عمّ خيره الرياضة والرياضيين".